Nous nous appuyons toujours sur les retours de nos chers utilisateurs pour une amélioration continue de la plateforme Jamaity. Tous les avis comptent !
Tous les avis sont collectés d'une manière anonyme pour permettre au plus grand nombre de s'exprimer librement (même si vous êtes connectés)
إن وجود إطار قانوني يحمي النساء من العنف الذي يُسلط عليهن يعود إلى نضالات الحركات النسوية والحقوقية في تونس طيلة عقود. وقد طالبت الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني التونسية منذ سنوات بوضع قانون شامل للحد من ظاهرة العنف المسلط على النساء والقضاء على كافة أشكال التمييز ضدهن وتحقيق المساواة التامة والفعلية بين الجنسين.
وبعد أكثر من أربع سنوات من دخول القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 حيز النفاذ، حرصت الحركات النسوية على متابعة حسن تطبيق هذا القانون والوقوف على مدى انخراط السلطة القضائية في التصدي ومكافحة العنف ضد النساء من خلال الأحكام الصادرة عنها. كما وقفت عند الصعوبات والتحديات التي تواجهها النساء في النفاذ إلى العدالة وكيفية الوصول الى حقهن عند تتبع المعتدين.
ومن خلال الاستماع إلى شهادات النساء ضحايا العنف ودراسة الملفات القضائية المتعلقة بهن، سواء تلك التي تم التعهد بها بمركز الاستماع والتوجيه لضحايا العنف، أو من خلال تجميع نصوص أحكام جزائية ومدنية صادرة بمقتضى القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 قدمت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات دراسة مفصلة قائمة على متابعة وتقييم تطبيق التشريعات المتعلقة بالحقوق المكتسبة للنساء عموما وبحقوق النساء ضحايا العنف خصوصا وذلك لغاية رصد أهم الإخلالات التي تحول دون تمتع النساء بحقوقهن.
حملت الدراسة عنوان “نفاذ النساء ضحايا العنف إلى العدالة الصعوبات والتحديات” وتهدف إلى المساهمة في تحسيس جميع المتدخلين والمتدخلات والوزارات المعنية كوزارة العدل أو الداخلية وكذلك السلطة القضائية بالصعوبات التي تعيشها النساء عند الالتجاء إلى القضاء للحصول على حقوقهن ومعرفة التحديات والمعيقات التي تحول دون نفاذهن إلى العدالة.
كما تهدف هذه الدراسة إلى معرفة حسن تطبيق أحكام القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 أمام المحاكم التونسية ومدى انصهاره في مقاومة العنف ضد المرأة وإنصاف الضحايا.
اعتمدت هذه الدراسة على توجهين متكاملين يتمثل الأول في ملامسة النصوص والترسانة القانونية للمقارنة بين منطق النصوص وحدود واقع تطبيقها، والتوجه الثاني يقوم على الاستماع إلى نبض النساء ضحايا العنف عبر بحث ميداني يسائل واقع الممارسة اليومية.
وتشتمل الدراسة على ثلاثة أجزاء: جزء أول يتعلق بالإطار القانوني المنظم لحق النساء في النفاذ إلى العدالة وجزء ثان يتعلق بإشكاليات النفاذ إلى العدالة من منظور النساء ضحايا العنف والمحاميات المدافعات عن حقوقهن أمام السلطة القضائية وجزء ثالث يتعلق بمعرفة كيفية ومدى تطبيق القانون الأساسي عدد 85 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة من قبل المحاكم في جانبه المدني والجزائي.
محاور الدراسة :
تشتمل العينة على 35 امرأة يتراوح سنهن بين 22 و50 سنة، أغلبهن فوق سن ال 40 سنة (%55) .
أما بالنسبة إلى المستوى الدراسي فهو يتوزع كالآتي : %40 جامعي، % 34 ابتدائي و %30 ثانوي.
فيما يتعلق بالمهن، فإن اغلب النساء المستجوبات ليس لهن عمل وهن يمثلن نسبة %60 والبقية تتوزع بين %20 موظفة، %7.8 تمارس أعمال حرة أو %42.11 عاملة.
بالنسبة إلى الدوافع التي حثت النساء على تقديم شكوى واللجوء الى القضاء، يبقى العنف الزوجي % 42.74 هو السبب الأكثر شيوعا. وهو في الأساس عنف جسدي، غالبا ما يكون خطيرا يصل إلى محاولة القتل (%07.73)؛ عنف اقتصادي (%53.61)؛ عنف لفظي (%76.30)؛ نفسي/معنوي (%23.19)؛ عنف جنسي (%38.15).
إلى جانب الاعتداء على الزوجة نجد 5 حالات اعتداء جنسي من طرف الأب على أحد الأبناء (سفاح الأقارب ثم يأتي الاغتصاب %14.17 يليه التحرش الجنسي في العمل %58.8.
يتبين من خلال هذه النتائج بأن العنف الممارس ضد المرأة ظاهرة شاملة تمس جميع النساء باختلاف أعمارهن وثقافتهن وأوضاعهن الاجتماعية والاقتصادية، وقد أخذت هذه الظاهرة أشكالا متعددة من العنف، كالعنف الجسدي، والنفسي، والاقتصادي، والجنسي.. كما تبين بأن الزوج هو الشخص المعتدي في أغلب الحالات وأن معظم الاعتداءات وقعت في فضاء الأسرة.
من هنا تحتاج المرأة ضحية العنف إلى مساعدة ومرافقة قانونية متناسبة وفعالة داخل المرفق القضائي ومن قبل أجهزته لتجاوز العراقيل والصعوبات التي تعترضها داخل المحاكم والتي تمنعها أو تصدها عن التشكي وكسر حاجز الصمت ورفض العنف وتتبع المعتدين.
ولتعزيز الدراسة، تم الاعتماد على تقنية الاستمارة وتوجيهها إلى النساء ضحايا العنف قصد استقصاء آرائهن وتصوراتهن بالوقوف على مختلف الصعوبات التي واجهنها أو يواجهنها أثناء نفاذهن إلى العدالة (35 امرأة يتجاوز سنهن 18 سنة).
هذه العينة العشوائية كانت موزعة على كامل مراكز الإصغاء والتوجيه الراجعة بالنظر إلى الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات المتواجدة في تونس وصفاقس والقيروان وسوسة.
كما تم القيام كذلك بتجربة المجموعات البؤرية (Focus group) المتألفة من المحاميات عضوات الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات المتطوعات لخدمة وحماية حقوق النساء ضحايا العنف والمساهمات في إيصال أصوات النساء أمام السلطة القضائية. وقد وقع تجميع 65 حكم قضائي وهي أحكام غير منشورة وصادرة عن محاكم في جهات مختلفة من البلاد.
ووفق دراسة جديدة أُعدت في إطار تعاون الاتحاد الأوروبي مع حكومة الجمهورية التونسية، صدر التقرير السمات الجنسانية التونسية / Profil genre Tunisie (ديسمبر 2019 – ديسمبر 2021) بهدف دعم التكامل والمساواة بين الجنسين في تونس.
بسط التقرير في البداية مجموعة القوانين التي جاءت في دستور 2014 والتي تُعنى بحقوق المرأة، بمبادئ المساواة بين الجنسين، ضرورة مشاركة المرأة في الحياة السياسية، بنود حماية حقوق المرأة والقضاء على العنف ضدهن، بنود ضد ظاهرة الاتجار بالبشر، بنود تدعو إلى إلغاء جميع أشكال التمييز العنصري، خطط التنمية المحلية، ضمان الإنصاف وتكافؤ الفرص بين النساء والرجال، القوانين المتعلقة بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني وغيرها…
ثم تم استعراض الصعوبات المجتمعية والهيكلية والاقتصادية التي تمنع المرأة من التطور في سوق الشغل والوصول إلى مواقع صنع القرار السياسي رغم كل التشريعات التي وضعت من أجلها، ومثالا على ذلك، تقلص معدل تمثيل النساء في البرلمان إلى حدود 22 ٪ سنة 2019.
وتواجه بعض رائدات الأعمال رغم ما تمتلكنه من قدرات معرفية وتقنية متميزة، صعوبات في الوصول إلى إحداث مشاريع حرة وأعمال استثمارية كبرى وذلك لهيمنة بعض رؤوس الأموال الوطنية على القطاع.
زيادة لذلك، لا يزال المجتمع التونسي يعتمد بقوة على البنية التي تتميز بالتقسيم الجنسي للعمل، فتحرم المرأة من عمل لائق، وظيفة غير قارة، تغطية تمييزية وغير شاملة من نظم الحماية الاجتماعية، عدم المساواة في الأجور، عدم الحصول على ضمان مصرفي وغيرها..
وتؤكد الدراسة أيضا أنه لا يمكن تحقيق المساواة بين الجنسين إلا من خلال إصلاحات جذرية مصحوبة بتغيير عميق في العقليات. إذ يجب أن يقوم هذا التغيير على فهم قضايا النوع الاجتماعي وتداخلها مع العلاقات الاجتماعية الأخرى وخاصة ما يخص الصعوبات والتحديات التي تواجهها النساء داخل المجتمع.
وقد أطلقت المفوضية الأوروبية والممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية خطة عمل للمساواة بين الجنسين، وتدعو هذه الخطة إلى معالجة الأسباب الهيكلية لعدم المساواة بين المرأة والرجل، وأسباب التمييز القائم على نوع الجنس أو لون البشرة، والحد من انتهاكات حقوق الإنسان و التشجيع على التصدي للمعايير والقوالب النمطية التقليدية المتبعة، والعمل على معالجة قضايا النساء العاملات، ربات البيوت، المعوقات، المهاجرات وإيجاد الحلول لدعمهن على جميع الأصعدة : الإدماج الاجتماعي ، والتحويل الرقمي ، والاقتصاد الأخضر.
ومن أهم البرنامج التي تم تسليط الضوء عليها في إطار هذه الدراسة والداعمة لموضوع بناء قدرات المرأة وضمان حقوقها نذكر: برنامج مساواة، برنامج Startup Tunisia، مشروع المنازل الرقمية لمؤسسة أورونج، منصة أحميني للنساء في الوسط الريفي، سفيرات المياه.
وقد نبهت هذه الدراسة، إلى أن الأشخاص الذين يعانون من الفقر أو الاستبعاد الاجتماعي هم أيضا قادرين على المشاركة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتمتع بمستوى معيشي لائق، والمشاركة في صنع القرار الذي يؤثر على حياتهم.
وتمت الدعوة في هذا التقرير إلى متابعة حسن تطبيق قانون العنف ضد النساء لا سيما العنف المنزلي نتيجة للتوترات الأسرية الناجمة عن العزلة وانعدام الأمن الغذائي والمالي وإغلاق المدارس خاصة فترة جائحة كورونا. والوقوف أيضا على مدى انخراط السلطة القضائية في التصدي ومكافحة العنف ضد النساء من خلال الأحكام الصادرة عنها والحد من الصعوبات التي تواجهها النساء في الوصول الى حقهن.
ويمكن تقسيم هذه الصعوبات إلى : صعوبات متأتية من وضعية المرأة ومركزها ودورها ونظرة المجتمع إليها. وهي صعوبات بالأساس ثقافية واجتماعية واقتصادية كالخوف من الوصم، نقص المعرفة بالحقوق والاجراءات القانونية أو إجراءات الحصول على المساعدة القانونية، ضعف الامكانيات المادية لتغطية التكاليف المرتبطة بالاستشارة القانونية أو بحق الدفاع وتكاليف التقاضي، والتكاليف المرتبطة بالتنقل إلى المحكمة، ورعاية الأطفال.
ومن جهة أخرى صعوبات مؤسساتية كالوصم والتحيز الجنساني من قبل أعوان الضابطة العدلية، غياب مكاتب أو خلايا لاستقبال وتوجيه النساء ضحايا العنف في المحاكم، عدم التمتع بالحق في الإعانة العدلية بصفة آلية، بطء الإجراءات وطول مدة التقاضي مع عدم معرفة النساء بحقوقهن وعدم اطالعهن على قانون مناهضة العنف مما يصعب وصولهن للقضاء.
كما دعا التقرير إلى الحرص على الاستماع إلى شهادات النساء ضحايا العنف ودراسة الملفات القضائية المتعلقة بهن. وفي هذا الإطار تم إنشاء و تطوير سبعة مراكز استشارية لإيواء النساء ضحايا العنف ، إنشاء رقم أخضر مجاني 1899 للمساعدة النفسية و تقديم اقتراح لوزارة المالية للإحاطة ماديا بالمعنفات.
وأضاف التقرير أن القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة هو ثورة قانونية بأتم معنى الكلمة. وذلك لكونه قد ساهم في تدعيم حق المرأة في التقاضي وفي تكريس مبدأ عدم الافلات من العقاب، فمع الإسقاط الذي تقوم به المرأة ضحية العنف تحت الضغط والخوف من الزوج المعتدي لا يتوقف التتبع في جرائم العنف المادي. إلا أن التراخي في تطبيق القانون والتسامح مع مرتكبي العنف جعل من القانون حبرا على ورق وسهُل خرقه من قبل المخالفين.
كان لهذه الدراسات الأثر الإيجابي في تسليط الضوء على أهم القضايا التي واجهتها المرأة، واعتبرت أن اعتماد سياسة التحسيس لتغيير العقليات والتكوين المعرفي المستمر للقضاة ولجميع المتدخلين في مجال التعهد بالنساء ضحايا العنف كالجمعيات والمنظمات النسوية، تبقى من أهم الطرق الكفيلة للحصول على أحكام تتماشى مع روح وفلسفة القانون الأساسي والأداة المثلى لإنصاف النساء في ضل صراعهن الدائم نحو الكرامة والاستقلالية والمساواة.
تأسست الجمعية التونسية للحراك الثقافي في 15 فيفري 2011، من قبل ثلة من الشباب الذين أمنوا بقدرتهم على التغيير وصنع مستقبل أفضل لأطفال وشباب منطقة الرقاب من ولاية سيدي بوزيد.
من هذا المنطلق، تسعى الجمعية التونسية للحراك الثقافي إلى تشخيص واقع الرقاب المتعطش للثقافة والمنادي من أجل الفن والإبداع لتهدف بذلك إلى كبح الجمود الثقافي، تثقيف المواطنين وتعزيز الحياة الاجتماعية.
وبعد انشطتها المتنوعة ومشاريعها المختلفة مثل ‘أول دراسة ميدانية تكشف انتهاكات حقوق المرأة العاملة في مجال الفلاحة’، ‘الدورة الثالثة للشاشة المتحركة تحت شعار شاشة سلام ‘. و ‘لازمنا ناقفوا لبوهدمة: معرض صور فوتوغرافية في سوق أسبوعية ‘ مع عديد التظاهرات والفعاليات الأخرى، يصمد ‘ الفضاء الثقافي مانديلا ‘التابع لنفس الجمعية وهي الجمعية التونسية للحراك الثقافي شامخاً كصرحٍ للثقافة والفن ومنارةً للعلم. هذا الفضاء قيل عنه بأنه معلمٌ ‘ثقافي وفكري وابداعي وتدريبي ومدرسة للدربة على المواطنة والحياة، لا يزال منذ ما يزيد عن السنة يقاوم رمالا متحركة’ تحيط به وترى فيه الإبداع والإتقان.
ورغم الداء وأعداء، تشبث فضاء مانديلا منتصباً من أجل البلاد والعباد، من أجل توعية الشباب وتنمية فكر الأطفال.
في هذا الإطار، ‘ طوال أيام الاسبوع منذ الصباح الباكر وحتى وقت متأخر لا تنقطع الحركة من الفضاء الثقافي مانديلا: الألعاب الفكرية والشطرنج يكاد لا يفارق احدى طاولات الفضاء , أطفال في عمر الزهور يقبلون على نادي الرسم بشغف وحماسة ‘وأخرين على نادي الموسيقى يتحسسون الأغاني ويلامسون الألات الموسيقية تحت إشراف ذوي الاختصاص مما خولهم للمشاركة في عروض محلية وجهوية قد تركوا فيها بصمتهم.
ولن ننسى تلك المكتبة الفريدة التي تقدم الرفيق لكل وحيد والصديق لكل طفل بريء أو شاب طموح. انها تقدم الكتب الأدبية والتاريخية والفلسفية والقانونية والفنية التي تنير عقل القارئ وتوسع معارفه.
في الأخير، لا يسعنا إلا أن نقول بأن ‘فضاء مانديلا’ بالرقاب هو عالم صغير في قرية متواضعة وسط هذ الواقع القاسي، لكنه قام بالكثير ولازال يسعى إلى الأفضل، لذلك فإننا نشجع مثل هذه المبادرات الطيبة ونثني عليها لأنها رغم بساطة مواردها وتمويلاتها فإنها تساهم في بناء تونس أرقى وأسمى.
ملاحظة :
تم نشر هذا المقال في الجريدة المدنية ، الملحق الشهري لجريدة الشعب.
يعتبر الحق في الصحة حقاً كونيا يضمن دوليا ووطنيا لكل البشر. وقد ضمنت المعاهدات الدولية التي صادقت عليها تونس هذا الحق، على غرار’ اتفاقية التعاون بين تونس و منظمة الصحة العالمية لسنة 2009 المتعلقة بإنجاز مشروع “OPTIMIZE” خلال الفترة 2010-2012 قصد ترشيد التصرف في التلاقيح. كما تعاونت تونس في نفس المجال سابقاً مع الصندوق العالمي لمكافحة السيدا والسل والملاريا لتتحصل منه على مساعدة بتسعة ملايين دولار بعنوان المرحلة الأولى للمشروع الهادف إلى مزيد دفع وتفعيل الخطة الوطنية لمكافحة مرض السيدا، ومساعدة ثانية بسبعة ملايين دولار لفائدة مشروع مكافحة مرض السل.
وبعد ثورة 14 جانفي 2011، أقر دستور الدولة التونسية الجديدة في فصله 38 أحقية كل إنسان في الصحة بما في ذلك الوقاية، الرعاية والعلاج الذي سيكون مجانيا لذوي الدخل المحدود وفاقدي السند. وتسعى الدولة إلى تقديم هذه الخدمة بجودة محترمة تراعي ظروف المواطنين واحتياجاتهم.
لكن لم يتغير الحال، ولم تتحسن أوضاع المستشفيات وجودة الخدمات الصحية في كامل تراب الجمهورية وخاصةً في المناطق الداخلية.
لذلك سعت الجمعية التونسية للدفاع عن الحق في الصحة من خلال تقريرها حول ألحق في الصحة في تونس، المؤرخ في أكتوبر2016، إلى تحديد أهم العقبات التي تمنع المواطنين من ممارسة حقهم على أكمل وجه والولوج إلى مستشفيات تمكنهم من الدواء وليس الداء.
1-عدم المساواة في المحددات الاجتماعية للصحة
إن أكثر الناس عرضة إلى التدهور الصحي هم أولئك الذين ‘ يعانون من الفقر والبطالة، ويفتقدون إلى السكن اللائق والمياه الصالحة للشراب والصرف الصحي ‘. وقد اثبتت الإحصائيات بأن عديد التونسيين خاصة في غرب البلاد وجنوبها مازالوا يفتقدون إلى هذه الحاجيات الاجتماعية وأن اغلبهم من النساء.
كما أن التوسع العمراني السريع الذي شهدته البلاد أدى إلى وجود ﻇﻮاﻫﺮ ذات جوانب سلبية مثل التلوث البيئي وتنوع النظام الغذائي وارتفاع عوامل التعرض للأمراض المزمنة.
من هنا يجب إعطاء الأولوية للوقاية قبل العلاج وذلك باعتماد برامج وطنية فعالة يتشارك فيها عديد الفاعلين في’ قطاعات التعليم والاقتصاد والزراعة والبيئة والتجهيز’ … وهذا لتعزيز القطاع الصحي وضمان سلامة المواطنين من الأمراض بما فيها المزمنة والأوبئة وضمان عدم وجود انعكاسات سلبية على تنمية البلاد والميزانية العمومية.
2-عدم المساواة وعدم التوازن في توزيع الخدمات الصحية
يعتبر التوزع الجغرافي للمؤسسات الصحية بالبلاد التونسية جيداً إلى حد ما. لكن يبقى العائق الكبير هو عدم المساواة في الخدمات الصحية المقدمة من قبل المؤسسات المعنية. حيث أنا عديد المواطنين يشتكون من عدم ولوجهم إلى مرفق صحي قريب، وإذا ما بلغوا احداه فهو لا يتكفل بتلبية حاجياتهم ولا يلائم تطلعاتهم. السبب هو أن ما يعادل نصف المراكز الصحية الأساسية ‘لا تقدم إلاّ حصّة واحدة في الأسبوع للعيادات الطبيّة وإنّ أغلب المستشفيات المحليّة لا توفّر المعدّات والتجهيزات الطبيّة الملائمة والمستشفيات الجهويّة تشكو من نقص فادح في الاطبّاء المختصّين’.
‘هذا اضافة لما تتعرض له المؤسسات الصحية والاستشفائية من تجاوزات بسبب الممارسة المتعلقة بالطب الخاص في غياب الضوابط الادارية والرقابية. أما القطاع الطبي والصحي الخاص فيبقي مركّزا اساسا في المدن الكبرى وفي المناطق السّاحليّة للبلاد الذي عرف فيها نموّا سريعا ومتواصلا’.
وفي هذه النقطة، يمكن أن نتحدث على عدم الموضوعية وفقدان العدالة في بعث المؤسسات الصحية الخاصة والعمومية مما أدى إلى عدم التكامل إذا ما تحدثنا عن الخدمات المقدمة في القطاعين العام والخاص وهو ما يضر بحسن سير النظام الصحي.
وفي العموم، تمثل الخريطة الصحية الضامن للمساواة الصحية والحافظ لجودتها والموجه لمستقبل هذا القطاع الذي يمثل قلب الدولة وعمادها’ لذا يجب إعطاء اولويّة لاعتماد اسلوب الخارطة الصحيّة الوطنيّة العادلة والشاملة لكلّ القطاعات والقيام بالإجراءات الضرورية لضمان جودة الخدمات’.
3-صعوبة الحصول على الأدوية الأساسية
يتميز قطاع الأدوية بالتبذير ونقص الأدوية، فبرغم من أن 39% من ميزانية قطاع الصحة تصرف في توفير الأدوية حسب إحصائيات 2013، فإننا نلاحظ بأن هياكل القطاع الصحي تعاني من نقص فادح في الأدوية ونفاذ مخزونها منه على جميع المستويات.
والسبب حسب ما جاء في التقرير يعود إلى:
• ‘غياب سياسة الاستخدام الرّشيد للأدوية والذي يرتكز أساسا على القائمة الوطنيّة للأدوية الأساسيّة تحدّدها السّلط الصحيّة ويتبنّاها جميع الاطبّاء بالقطاع العمومي و القطاع الخاصّ.
• نقص التّمويل الكافي والذي يمثّل السّبب الرّئيسيّ وليس الوحيد لنفاذ مخزون الأدوية في المؤسّسات الصحيّة العموميّة. إلى جانب الفساد وسوء التصرّف في هذا القطاع.
ولتجاوز هذه العقبات وضمان الحقّ للجميع في الحصول على الأدوية، من الضّروريّ بناء سياسة وطنيّة لتعزيز الاستخدام الرّشيد للأدوية، ترتكز على القائمة الوطنيّة لدوية اساسيّة وكذلك ضمان التّمويل الكافي لاقتناء الأدوية ومكافحة الفساد في قطاع الأدوية’.
4-ضعف جودة الخدمات الصحية
لإن نصّ الفصل 38 من الدّستور على “إنّ الدّولة توفّر الوسائل اللاّزمة لضمان سلامة وجودة الخدمات الصحيّة”، فإن سلامة وجودة الخدمات مازالت متواضعة وذلك لوجود عديد النقائص.
فالمواطن اليوم يشتكي من الخدمات إذا ما تعلق الأمر بالاستقبال واحترام الذات والخصوصيات وتوفير المعلومات اللازمة والمعطيات الملائمة للحصول على النجاعة الكافية التي يرنوا إليها زائر المشفى. ‘وعلاوة على ذلك فإنّ الدّراسات المختلفة المنجزة حول المرضى المقيمين بالمستشفيات أظهرت نسبة مرتفعة من الإصابة بالتعفّنات الاستشفائية ممّا يعكس الضّعف الصّارخ للآليّات الموضوعة لضمان سلامة المرضى. كما أن فضيحة اللوالب القلبية منتهية الصلاحية والتي تداولتها وسائل الإعلام في الصائفة الاخيرة، قد أظهرت غياب وعدم نجاعة الأليات الرقابية المتعلقة بسلامة المرضى في القطاعين العام والخاص’.
ومن هذا المنطلق، تقترح الجمعية التونسية للدفاع عن ألحق في الصحة أنه ‘ یتعیّن على منظّمات المجتمع المدني أن تلعب دورا هامّا فی هذا المجال من خلال إنشاء لجان مستعملی الخدمة تهتمّ بجوانب السّلامۀ وجودة الخدمات الصحیّۀ والتدخّل عند ملاحظة الاختلالات.
كما أورد التقرير الصعوبات المالية التي تعتري المواطن والقطاع الصحي على حد سواء عند العرض والطلب والفساد الذي يسود هذا الأخير بأشكاله المتنوعة.
ويمكن التعرف عليها مفصلة في التقرير المتوفر عبر الأنترنت أو على صفحات التواصل الاجتماعي ومنها صفحة Jamaity.
لمزيد من المعلومات، يمكن مراسلة الجمعية التونسية للدفاع عن ألحق في الصحة: droitalasante.tun@gmail.com
المصادر :
تقرير الجمعية التونسية للدفاع عن ألحق في الصحة حول ألحق في الصحة في تونس
موقع وزارة الشؤون الخارجية : تونس ومنظمة الصحة العالمية.
ملاحظة :
تم نشر هذا المقال في الجريدة المدنية ، الملحق الشهري لجريدة الشعب .
يلعب المجتمع المدني دورا رياديا في الإصلاح المجتمعي بالبلاد التونسية سواء في الميادين السياسية، أو الاقتصادية، أو الثقافية الفكرية، أو الاجتماعية… وكمواصلة لهذا الدور الإصلاحي، يتبين اليوم دور المجتمع المدني في المشهد الإعلامي أيضا ليسلط الضوء على قضية مست من الطفولة، هذه الأخيرة التي انتهك حرمتها بعض القانون. وبالارتكاز على هذا البعض الجائر من القانون، تواصل انتهاكها في أحد أكبر المنابر تأثيرا في الرأي العام: شاشة التلفزة.
الحكاية كلالحكاية:
كان يا مكان (قناة الحوار التونسي)، في أحد الأيام (يوم 14 أكتوبر)، حلقة من البرنامج الاجتماعي “عندي ما نقلك” تم بثّها، وتم خلالها توجيه إصبع الاتهام لفتاة قاصر تعرضت لمحاولات اغتصاب وعرض فكرة الزواج بأحد مغتصبيها “باش نلموها” على حد تعبير المنشط. ورغم قساوة المشهد، تبقى الحقيقة الصادمة، هي أن المَخرج اللاإنساني الذي قدمه المنشط فأثار ثورة الجمهور، هو في الأصل مخرج قانوني، أي نابع من القانون التونسي نفسه. حيث يحتم الفصل 227 مكرر من المجلة الجزائية أن: “يعاقب بالسجن مدة ستة أعوام كل من واقع أنثى بدون عنف سنها دون خمسة عشر عاما كاملة. وإذا كان سن المجني عليها فوق الخمسة عشر عاما ودون العشرين سنة كاملة فالعقاب يكون بالسجن مدة خمس أعوام. والمحاولة موجبة للعقاب. وزواج الفاعل بالمجني عليها في الصورتين المذكورتين يوقف التتبعات أو آثار المحاكمة. وتستأنف التتبعات أو آثار المحاكمة إذا انفصم الزواج بطلاق محكوم به إنشاء من الزوج طبقا للفقرة الثالثة من الفصل 31 من مجلة الأحوال الشخصية وذلك قبل مضي عامين عن تاريخ الدخول بالمجني عليها.”
ما الحل؟
طبعا من المفروض حتما أن يكون المشهد الإعلامي حاملا لقضايا الناس موجها نحو الإصلاح وإن تناقض هذا الإصلاح مع نص القانون، فيلعب بذلك دور المناصر للحقوق ومنبر تربية وتثقيف وتوعية.
كما إنّ الحديث عن دولة القانون والمؤسسات لا يستقيم أيضا، إذا لم تكن القوانين والمؤسسات في حماية الأفراد ولم تراع مصالحهم. لذلك، بات ضرورة تنقيح الفصل 227 مكرر الذي يعاقب الضحية وليس الجاني، وهو ما نادت إليه العديد من مكونات المجتمع المدني، على غرار الائتلاف المدني من أجل الحريات الفردية، في انتظار أن يجد صدى، قبل أن يتسبب هذا الفصل في انتهاكات جديدة ضد الطفولة، ذلك أنّ:
اجراء قانوني غير دستوري.
يتعارض نص هذا القانون مع ما جاء في توطئة دستور 2014، التي أكدت أن الدستور ضامن لـ “احترام الحريات وحقوق الانسان” و”المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين”، وعلى “منزلة الانسان كائنا مكرما”، فبالعكس انتهك حق الضحية وجازى الجاني، بل وكأننا بهذا القانون يكرّمه.
كما يتعارض الفصل 227 مكرر مع جاء في بعض فصول الدستور على غرار:
الفصل السابع: الأسرة هي الخلية الأساسية للمجتمع، وعلى الدولة حمايتها. وهنا إشارة على إلزامية الدولة بالتدخل من أجل حماية الأسرة ومعاقبة كل انتهاك لثبات هذه الأسرة أو تهديد لها.
الفصل 21: الواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون، من غير تمييز. تضمن الدولة للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريات الفردية والعامة، وتهيئ لهم أسباب العيش الكريم
الفصل 23: تحمي الدولة كرامة الذات البشرية وحرمة الجسد، وتمنع التعذيب المعنوي والمادي. ولا تسقط جريمة التعذيب بالتقادم.
الفصل 47: حقوق الطفل على أبويه وعلى الدولة ضمان الكرامة والصحة والرعاية والتربية والتعليم. على الدولة توفير جميع أنواع الحماية لكل الأطفال دون تمييز وفق المصالح الفضلى للطفل
الفصل 49: يحدد القانون الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وممارستها بما لا ينال من جوهرها. ولا توضع هذه الضوابط إلّا لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية وبهدف حماية حقوق الغير، أو لمقتضيات الأمن العام، أو الدفاع الوطني، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة، وذلك مع احترام التناسب بين هذه الضوابط وموجباتها. وتتكفّل الهيئات القضائية ب حماية الحقوق والحريات من أي انتهاك. لا يجوز لأيّ تعديل أن ينال من مكتسبات حقوق الإنسان وحرياته المضمونة في هذا الدستور.
اجراء قانوني يتعارض والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها تونس مثل اتفاقية حقوق الطفل التي تنص في فصلها التاسع عضر: “تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من آافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية والإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال، وإساءة المعاملة أو الاستغلال، بما في ذلك الإساءة الجنسية، وهو في رعاية الوالد (الوالدين) أو الوصي القانوني (الأوصياء القانونيين) عليه، أو أي شخص آخر يتعهد الطفل برعايته.”
أما بالنسبة لإعلان حقوق الطفل، فيشير في ديباجته، “ولمّا كان الطفل يحتاج، بسبب عدم نضجه الجسمي والعقلي إلى حماية وعناية خاصة، وخصوصا إلى حماية قانونية مناسبة سواء قبل مولده أو بعده”. كما يشير الإعلان في المبدأ الثاني إلى أنه “يجب أن يتمّتع الطفل بحماية خاصة وأن يمنح، بالتشريع وغيره من الوسائل، الفرص والتسهيلات اللازمة لإتاحة نموه الجسمي والعقلي والخلقي والروحي والاجتماعي نموا طبيعيا سليما في جو من الحرية والكرامة. وتكون مصلحته العليا محل الاعتبار الأول في سن القوانين لهذه الغاية.”
إجراء قانوني يتعارض مع مجلة حماية الطفل
حيث تعتبر المجلة في الفصل 21 أن “استغلال الطفل ذكرا كان أو أنثى جنسيا، بوجه خاص من الحالات الصعبة التي تهدد الطفل أو سلامته البدنية أو المعنوية”.
وبالإضافة لهذه الترسانة القانونية المرجعية التي ذكرناها على سبيل الذكر لا الحصر، والتي تتعارض والفصل 227 مكرر من المجلة، فإن المجلة الجزائية نفسها، وفي نفس الفصل تعترف بأن المقترف للجريمة هو جان والضحية مجني عليها. فليس من المعقول أن نكون أمام جناية يعاقب فيها الضحية المجني عليه. خصوصا قد سبق وأكد أخصائيو النفس أن تزويج القاصر من مغتصبها هو خطأ وخطر من شأنه أن يؤدي إلى اختلال توازن شخصية البنت المتضررة مما يسهم في اضطرابات نفسية جسيمة تضر بالطفلة، بالأسرة وحتى بالمجتمع ككل. وهو ما يفسر أنه قد بات من الضروري مراجعة هذا الفصل حتى لا نشهد بعد اليوم أن يكون انتهاك الطفولة مقننا.
في إطار مشروعها المتعلق بالتمكين السياسي للمرأة التونسية عموما وللمرأة الريفية خصوصا ومزيد تشريكهن في الحياة السياسية، من خلال اعتماد مقاربة تشاركية تسهم في تعزيز المرأة الريفية في الحياة العامة، أنجزت منظمة أنا يقظ دراسة حول “رأي المرأة الريفية في دورها في عملية اتخاذ القرار”.
ويأتي هذا المشروع كاستجابة من قبل المنظمة لضرورة الوقوف على واقع المرأة الريفية المستضعفة والمستبعدة من المشاركة بفعالية الحياة السياسية والحياة العامة وفي أخذ القرار. ومع قرب حلول الانتخابات البلدية، ارتأت المنظمة دعم تقدم المرأة الريفية نحو تقلد مسؤوليات على المستوى المحلي من خلال تمكينها وتكوينها وتدعيم قدراتها والانصات لها لمعرفة مشاغلها وفهم مختلف معرقلات نشاطها على المستوى السياسي، من خلال إعطائها فرصة تقديم آرائها وتمتيعها بحرية التعبير عن رآها، إيمانا أن عملية الإصلاح لا تكون إلا من خلال تشريك الأطراف المعنية في مسار تشخيص الواقع.
وتجدر الإشارة أن الدراسة التي أنجزتها منظمة أنا يقظ هي من دعم كل من “الوكالة الاسبانية للتعاون الإنمائي الدولي”، و”المعهد الدولي للعمل اللاعنفي”، تقوم على استبيان ميداني استهدف نساء ريفيات في 8 ولايات تونسية وهي: نابل وجندوبة وصفاقس القيروان وسيدي بوزيد وقابس وتوزر وسوسة، مع اعتماد اللهجة التونسية. وقد مكن هذا الاستبيان من تقييم وتشخيص الوضع الراهن، ومعرفة مدى حضور المرأة الريفية في الحياة السياسية، ومعلاقتها مع السلطات المحلية، ودرجة ثقتها في المنظمات والمؤسسات، مشاركتها في الانتخابات، ومشاغلها وأولوياتها.
ولقد تبين من خلال الاستبيان، أن أغلب النساء المستجوبات متفائلات حول مستقبلهن بنسبة 40.5% و16.5% متفائلات بشدة. بينما 33.2% من نفس العينة متفائلات حول مستقبل الجهة و31.3% متفائلات حول مستقبل تونس. كما تمت ملاحظة أن النساء الشابات هن الأكثر تفاؤلا مع الإشارة أن إجمالي المتفائلات بلغ 57.4% بينما المتشائمات 11.9%. هذا كشفت الدراسة الميدانية أن قرابة نصف النساء المستجوبات في الولايات الثمانية، صرحن بتفاوت أن الوضع ليس سيئا على المستوى الوطني والجهوي والمحلي والشخصي.
وفي إدلاء رأيها حول مبدأ التناصف في الانتخابات التشريعية، 80% من النساء عبرن عن رضائهن به، 13% رفضن هذا المبدأ، و7% يعتبرنه غير كاف وأن هناك حاجة لتعزيز مشاركة المرأة في الانتخابات. كما اتفقت أغلب النساء أن الدولة لا تولي أهمية لتحسين وضع المرأة الريفية، وأنها، لو سنحت الفرصة لمشاركة إحدى قريباتها في الحياة السياسية ستشجعها. واتضح كذلك أن المستجوبات راضيات بما يكفي عن أداء النساء في المناصب القيادية المحلية أو في الحكومة أو في الجمعيات أو في الأحزاب السياسية أو في مجلس نواب الشعب.
وبخصوص علاقاتها بالسلطات المحلية أفادت النساء بنسبة 38.10% أنها تقدمت بمطلب لأحد المسؤولين أما البقية فلم تتقدم لأي مسؤول بطلب. وكانت أغلب المطالب التي تم التقدم بها هي مطالب شخصية ثم أسرية وبنسبة محدودة المطالب المتعلقة بطلبات المجتمع المدني. وأكدت معظم النساء المستجوبات أنه لم تقع الإجابة على مطالبهن كما أن 71% يعتقدن أن المسؤولين المحليين لا يقومون بإيصال المطالب إلى الجهات المعنية.
ويبدو أن الأرقام التي تتعلق بنسب الثقة في المنظمات والمؤسسات تبعث على القلق خاصة تلك المتعلقة بالولاة ورؤساء النيابات الخصوصية. كما أن أزمة الثقة تبدو واضحة فيما يتعلق بالأحزاب السياسية وغيرها.
وحول الانتخابات البلدية القادمة، بدا أن 76.30% لا يعرفن بعد أن ما إذا كانت الانتخابات البلدية ستجرى السنة القادمة وأن 53% لا ينوين التصويت فيها، أما العوائق التي تم رصدها بصفة متفاوتة فهي: طول المسافات، إنعدام الثقة، غياب الإرادة، مشاكل طبية.. هذا وأكدت نصف العينة المستجوبة أنها تلقت زيارة من قبل الأحزاب السياسية خلال الحملة الانتخابية وحوالي النصف أكدن أن اهتمامهن بالشؤون العامة والسياسات ليس بالكبير.
هذا ومثل الاستبيان فرصة عبرت فيها النساء عن ترتيب القضايا التي تشغلهن فاحتلت مسألة التشغيل الصدارة تلتها مسألة تحسين البنية التحتية ثم موضوع مكافحة الإرهاب.
منذ استقلال البلاد و مرورا بالهبة الثورية التي عرفتها تونس ذات 17 ديسمبر كان الرهان و لازال على الثروة البشرية في تونس الخيار الأهم الذي يبقي أو يطيح بمختلف الحكومات المتعاقبة خاصة في ظل ندرة الموارد الطبيعية الكفيلة بتحقيق التنمية المطلوب
و لعلّ أحد أهم مؤشرات النهوض بالموارد البشرية هو رصد الاعتمادات الكافية و ايجاد الحلول اللازمة لقطاع التربية و التعليم. و قد حققت الدولة التونسية على امتداد ما يقارب ال60 سنة أرقاما محترمة فيما يتعلق بمؤشرات نسب التمدرس و القضاء على الأميّة و قطعت اشواطا كبيرة في درب امتلاك المعارف و المهارات التي تعدّ الناشئة لحياة مهنية محترمة
غير انّ الكثير من المشكلات التي تعاني منها المنظومة التربوية في تونس ما فنئت تطفو على السطح باستمرار و لعلّ اكثرها خطورة على الأطفال اليوم و على المجتمع باكمله هي صعوبة منع تسرّب التلاميذ نتيجة ضعف أليات مواجهة الانقطاع عن الدراسة الناتج عن ظروف اقتصادية و اجتماعية صعبة و قصور في العمل التشاركي بين جميع المتدخلين للوقاية و العلاج و انتشال المتسربين و المنقطعين من المخاطر و المهالك التي سيواجهونها اثر تركهم لمقاعد الدراسة .
100 الف منقطع عن التعليم سنويا
رغم تطور المنظومة التعليمية في تونس تبقى معضلة الانقطاع المبكر عن الدراسة من أهم الهواجس التي تشغل اهتمام أهل الاختصاص والمشرفين على قطاع التربية اذ بلغ معدل الانقطاع المدرسي ما يقارب ال 100 الف منقطع سنويا و هو معدل ضخم بالنظر الى المجهودات المبذولة .
ولقد توصّلت الدراسات التي تناولت ظاهرة الانقطاع المدرسي إلى أن الانقطاع عن التعليم في تدرج من المرحلة الابتدائية إلى التعليم الثانوي حيث ارتفع من 1.2 بالمائة إلى 10 بالمائة حاليا. وترتفع نسبة الانقطاع المدرسي في التعليم الابتدائي خاصّة لدى تلاميذ السنوات الخامسة والسادسة وفي مستوى التعليم الإعدادي تتمركز بالأساس في السابعة أساسي بنسبة 30 بالمائة.
هذا و تصل كلفة الانقطاع المدرسي الى ما يقارب ال345 مليون دينار سنويا و تتوزع هذه الخسائر على اكثر من 137 مليون دينار كلفة الرسوب و 207 مليون دينار تكلفة الانقطاع .
الانقطاع عن الدراسة ظاهرة مركبة أسبابها متعددة ومتداخلة
ان الانقطاع المدرسي مشكل يتعدّى تأثيره الفرد ليشمل المجتمع والاقتصاد فهو يؤدي إلى انتشار الأمية و البطالة والجريمة في المجتمع و يهدر الموارد المالية للدولة لذلك مثل ايجاد حلول لهذه الازمة هاجسا كبيرا . و لأن نصف الحلّ هو تشخيص الأمر فأن العودة الى اسباب الانقطاع المدرسي ضرورة ملحّة و فيما يلي البعض من أهم الأسباب.
تداخل كبير بين الأسباب النفسية و الاجتماعية و الاقتصادية
تغير سلم القيم اليوم وتراجعت مكانة التعليم في الأذهان خاصة مع تراجع المنفعة الاقتصادية للدراسة باعتبار تزايد عدد العاطلين عن العمل من ذوي الشهادات العليا، وهو ما يجعل نسبة لا بأس بها من الأطفال تترك المدرسة و تندمج مبكرا في سوق الشغل. كما تراجع دور المدرسة في تقديم وظيفتها التعليمية و ضعفت العلاقة الاتصالية بين المدرسة والأسرة مقابل بروز مصادر جديدة للتعلم وترسخ قيم اجتماعية أخرى ترتكز على الثراء السهل والشهرة خاصة عند ربطها بتعرض الطفل المراهق إلى اضطرابات نفسية في مرحلة عمرية حساسة و ربطها ايضا بتغير مفهوم الرعاية الأسرية في ظل عمل الأولياء والضغط الزمني للعائلة وقلة ومراقبة الأبناء في دراستهم ومواظبتهم وتوفير الظروف الأسرية والاجتماعية الملائمة لهم .
إذن خلاصة الأمر تكمن في أن الوضع الاجتماعي للتلميذ يلعب دورًا فاعلاً في تدعيم العملية التربوية نظرًا لأهمية العامل السوسيو-اقتصادي. وإن العائلات التي تعاني من الخصاصة والحرمان تدفع بأبنائها إلى ترك الدراسة وتضطرهم للعمل لمد يد العون لها دون التفطن الى النتائج النفسية الوخيمة التي ترافق هذا التحول المبكر في حياة الطفل و المراهق
أسباب تعليمية – بيداغوجية
تتمثل جملة هذه الأسباب في كون التلميذ المراهق قد يعاني من ضعف المستوى وليست لديه القدرة على مواكبة البرنامج الدراسي فيتجه نحو الغياب المتكرر كنوع من أنواع الهروب من فشله الدراسي. هذه الغيابات المتكررة مع عدم رقابة الوالدين قد تدفع بالمراهق إلى اتخاذ قرار خطير يتمثل في الانقطاع عن الدراسة نهائيا لإنهاء معاناته من هذا الواجب الثقيل على نفسه وعلى قدرته الذهنية والفكرية. ومن الأسباب الأخرى في هذا المجال ايضا عدم استعمال الوسائل التعليمية التي تجذب انتباه التلميذ خاصة في المواد الفنية والتكنولوجية وفي تدريس اللغات وغيرها اضافة الى ضعف طرق وأساليب التعليم ثم مضامينه ومحتوياته، فالتعليم يجب أن يسعى إلى إعداد المتعلم للحياة وليس إلى تلقينه مجموعة من المعارف والمعلومات النظرية البعيدة عن محيطه وبيئته وحياته.
أسباب سياسية
تتمثل أساسا في تأخر إصلاح التعليم وضعف في البرامج وتكرار أساليب الترقيع وإسقاط سياسات فاشلة على الساحة التربوية بالإضافة إلى التركيز على الأشكال والمظاهر والأرقام والإحصائيات والواجهات والشعارات وإهمال المضامين والقيم والمعايير والأفكار والبرامج الثرية وخاصة التباهي الأجوف بالنسب والأرقام في العشرية الأولى من الألفية الثانية.
البحث عن الحلول من خلال الاتفاقيات الدولية
من منطلق القضاء على معضلة الانقطاع المبكر عن الدراسة وبناء على العديد من القضايا الملحة الأخرى بدت الإصلاحات المتصلة بالعملية التربوية أمرا ملحّا ولا سيما في ظل تنامي الانتظارات المجتمعيّة اذا ما تمّ ربط الإصلاح التربوي باستحقاقات مجتمع يتحرر من الاستبداد ويبحث عن منوال تنموي بديل سعت وزارة التربية الى ايجاد حلول مختلفة منها ما يعتبر جذريا فعالا و منها ما اتفق الجميع على اعتباره حلولا وقتية تحتاج الى عمق اكبر حتى تعطي اكلها .
و لعلّ آخر الخطوات التي جاءت لايجاد حلّ لظاهر الانقطاع المبكر هي اتفاقية الشراكة و التعاون المدرسي التي امضتها وزارة التربية مع سفارة ايطاليا بتونس والوكالة الايطالية للتعاون والتنمية بتونس ومنظمة اليونسيف خلال الشهر المنقضي (8 سبتمبر 2016).
و بموجب هذه الاتفاقية تتمتع وزارة التربية التونسية بما يتجاوزال6 مليارات من المليمات تحديدا 2360 الف يورو.وفي هذا السياق كان وزير التربية ناجي جلول قد افاد مسبقا بأن وزارة التربية تشكو من قلة الموارد باعتبار ان 97 بالمائة من ميزانية الوزارة تتجه لصرف الأجور في حين تخصص 3 بالمائة المتبقية لعملية الإصلاح و البناء و بذلك تعتبر هذه العائدات المالية انعاشا للميزانية ودعما لبرنامج مقاومة الانقطاع.
هذا التعاون الذي سيمتد الى حدود سنة 2018 يهدف الى معاضدة المجهود الذي تبذله تونس للتصدّي لهذه الظاهرة و ضمان عدالة اكبر في المنظومة التربوية خاصة من خلال التدخل في الجهات المحرومة و تمييزها بميزانية مالية اكثر .
و حسب ما جاء في تفاصيل هذا البرنامج أن التدخل سيشمل تحديدا ال19 ولاية التي ترتفع بها نسب الانقطاع أكثر من غيرها و تمّ وضع قائمة بها 34 مؤسسة مدرسية تعتبر ذات أولوية قصوى لدعمها بصفة عاجلة .
هذا و سيعمل الخبراء القائمون على هذا البرنامج على وضع نماذج تمكّن الدولة التونسية من اتخاذ إجراءات وقائية لتقليص عدد المغادرين للمدارس سنويا من خلال النظر في رصد إعانات اجتماعية و العمل على تطوير التجهيزات المدرسية و البنية التحتية.
كما وضعت خطّة أخرى لمحاولة استرجاع اكبر عدد ممكن من التلاميذ الذين انقطعوا عن الدراسة من خلال تمكينهم من العودة بسهولة و تذليل العقبات الإدارية التي قد تحول دون ذلك أو من خلال إدماج من لم يتسنى لهم ذلك في الحياة الاجتماعية عبر آليات تكوينية تشغيلية.
المصادر والمراجع
1.المخطط الاستراتيجي القطاعي التربوي 2016-2020 الصادر عن وزاره التربية
موقع وزارة التربية
www.education.gov.tn
3.تقرير عام حول العودة المدرسية الصادر عن اللجنة الوطنية للعودة المدرسية بوزارة التربية سبتمبر 2016
الدراسات والتخطيط والاحصاء التربوي :معطيات ومؤشرات القطاع بالنسبة للسنة الدراسية 2015-2016
تقرير معهد الإحصاء التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلـم والثقافـة الصادر في 2013
برنامج وزارة التربية في تنفيذ الخطة الوطنية لتطوير كفاءات الموارد البشرية.6
في إطار سعيه نحو دعم الديمقراطية المستدامة، ووعيه بأهمية المراهنة على الشباب التونسي في عملية إرساء التحول الديمقراطي المستدام، ركز فريق المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات بتونس جهوده نحو نقل المعرفة بأسس الديمقراطية للشباب بهدف تمكينه من المشاركة الفعالة والمساهمة في الديمقراطية الناشئة وتعزيزها، ولبلوغ هذا الهدف، تعد المؤسسة مشروعا في هذا الصدد تسعى لتمكين الشباب من:
– المعارف التقنية بالديمقراطية من حيث المؤسسات والإجراءات
– المهارات التطبيقية ومن بينها على سبيل الذكر بناء الفريق، التحدث أمام الجمهور، التفاوض، المناظرة، التحليل والتفكير النقدي…
ينبغي القول أن المنظمة اتبعت مقاربة تشاركية في إعداد مشروع تربية الشباب على الديمقراطية فاستشارت جملة الشباب باعتبارهم المعني الأول والفئة التي يستهدفها المشروع، وكذلك أساتذة جامعيين لما لهم من خبرة في تدريس الشباب. حيث قامت بورشة تقييمية في أفريل 2015 في إطار المراحل الأولى لإعداد المشروع وتمحورت هذه الورشة حول المعرفة الديمقراطية للشباب في منطقة غرب آسيا وشمال افريقيا. وكانت الورشة في شكل استشارة تم من خلالها تجميع آراء حوالي 16 شابا عربيا من تونس والمغرب وليبيا ومصر واليمن والأردن والعراق ولبنان وسوريا، ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و29 سنة، ولديهم تجربة في مجال الديمقراطية التشاركية وتثقيف الشباب، بخصوص محتوى البرنامج والمحاور التي سيتعلمها الشباب ومنهجية التعليم والتعلم المقترحة، وكذلك حول المسائل التي تهم الشباب في مختلف أنحاء المنطقة العربية.
وللإشارة فإن هذا المشروع الذي يستفيد منه الشباب خصوصا والمسار الديمقراطي عموما والذي تعده المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات بتمويل من المركز الدولي لأبحاث التنمية International Development Research Centre IDRC، من المقرر أن يمتد هذا البرنامج الدراسي الذي يشمله على فترة 6 أشهر تقريبا وأن يستكمل بتنظيم دورات تدريبية مع مؤسسات ومنظمات ذات صلة حتى يتسنى للشباب وضع مهاراتهم ومعارفهم المكتسبة قيد الاستخدام.
وعلى إثر الاستشارة الشبابية التي تم تنظيمها، عقدت المؤسسة جلسات عمل مع ثلة من الأساتذة الجامعيين في القانون والصحافة، امتدت من 23 إلى 27 جويلية الجاري، بعد أن أعدت جملة من التصورات تتعلق بمنهجية البرنامج التدريبي الممتد ستة أشهر وبمحتواه، وذلك بحضور السيدة ايفون قودي (Yvonne Goudie) بصفتها بين الخبراء الذين أشرفوا على صياغة المنهج الدراسي. وكانت فرصة لاستشارة المختصين وتبادل الخبرات وذلك بالنقاش حول البرنامج من حيث محاور التدريب، الترتيب المعتمد، الطرح المنهجي، والتناول البيداغوجي. كما تسنى للمختصين العمل على تكييف محاور التدريب مع السياق التونسي. وبهذه الطريقة، يكون الطرح لمحاور التدريب قائما على منظورين: منظور دولي عام لبناء تصور شامل للشباب حول أسس الديمقراطية في العالم وفي التجارب المقارنة، ثم من منظور وطني محلي يخضع للسياق التونسي مما ينتج عنه فهم معمق لواقع الديمقراطية في تونس على وجه الخصوص. ومن جهة أخرى، أبدى الأساتذة آراءهم حول معايير اختيار الشباب المخول للمشاركة في البرنامج التدريبي، وقدموا بعض التوصيات المتعلقة بالمدربين الذين سيشرفون مستقبلا على تسيير الدورات التكوينية من خلال اقتراح جملة من التمارين التطبيقية التي تساهم في صقل مهارات الشباب. وبخصوص المناهج التدريسية التي اشتغل عليها أساتذة التعليم الجامعي، فقد تناول الأستاذ خالد الماجري بالدرس محور المجتمع المدني، فيما اشتغلت أ. سهام بوعجيلة على مسألة الإجراءات الانتخابية. وتعلقت الإضافات التي قدمتها أ. سلوى الحمروني بمحوري الدستور ونظم العدالة، أما تلك التي قدمتها أ. اعتدال المجبري، فتخص الإعلام وكل ما يتعلق بالنفاذ إلى المعلومة. ومن جهتها تطرقت أ. كوثر الدباش لمحوري الأحزاب السياسية والبرلمان، فيما تركزت مداخلة أ. محسن الرياحي بكل ما يتعلق بتسيير الشأن المحلي عموما وبالإدارة العمومية.
وفي إشارة لمجالات التدريب، يتمحور البرنامج عموما حول مسائل تتعلق بالدستور، الانتخابات، البرلمان، تنظيم السلط والفصل بينها، الأحزاب السياسية، المجتمع المدني، الاعلام…. ويتوقع أن يتم العمل بنظام تقييمي ومعايير تمكن الشباب من الحصول على شهائد انهاء كامل المنهج التدريبي وكذلك تمتيعهم بفرصة تربصات ببعض المؤسسات والمنظمات وهو ما يمكنهم من الحصول على الخبرة فضلا على تطبيق ما تم تعلمه طيلة البرنامج التدريبي.
وحتى يتم ضمان نجاعة المشروع وإتاحته للشباب فرصة استكشاف ومعرفة المزيد عن المبادئ والمؤسسات والنظريات الديمقراطية، وكذلك تنمية المهارات العملية على غرار المهارات الكتابية والحوارية وتقديم العروض مما يعزز قدراتهم في إطار المشاركة النشطة والواعية في مختلف مسارات الديمقراطية، ينتظر أن يواصل فريق المؤسسة الدولية للديمقراطية والسلام الاعداد لهذا المشروع مع الأخذ بعين الاعتبار آراء المختصين في إطار تركيزها على اعتماد المقاربة التشاركية الذي كان اختيار المنظمة منذ بداية التفكير في المشروع.
إنّ كل هذه الاعدادات والاستعدادات إنما تندرج في إطار انطلاق المراحل الأولى من البرنامج التدريبي الإقليمي في منطقة غرب آسيا وشمال افريقيا (الذي من الممكن أن يصبح على مستوى دولي) المصمّم لإشراك الشباب في بناء الديمقراطية والحكم الديمقراطي خصوصا وقد أظهرت الثورات أهمية الحركات الشبابية في تحديد مستقبل البلاد وأنتجت خطابا جديدا حول الديمقراطية وإشراك الشباب ودورهم في الحكم. وعلى هذا الأساس توجهت المنظمة نحو إنجاز المشروع بتونس ليكون بمثابة تجربة ريادية نموذجية تعممها المنظمة في وقت لاحق في بلدان أخرى.
يذكر أنه في الوقت الحاضر، المنظمة أي المؤسسة الدولية للانتخابات والديمقراطية بصدد انتظار مصادقة مجلس نواب الشعب على القانون أساسي عدد 70 لسنة 2013 المتعلق بالمصادقة على اتفاق بين تونس والمؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات بشأن فتح مكتب للمنظمة بتونس، هذه المنظمة التي لها من الخبرة ما يقارب 21 عاما في مجال دعم الديمقراطية حول العالم.
منذ إعلان رئيس الجمهورية عن مبادرته بمشروع المصالحة في جويلية 2015، أعربت عديد مكونات المجتمع المدني والمجتمع الدولي عن رفضها لمشروع قانون المصالحة مع كل من تورط في نهب المال العام والفساد في عهد بن علي، باعتبار أن المصالحة الاقتصادية والمالية، حسب الصيغة المقترحة، يمكن أن تتسبب في إفشال مسار العدالة الانتقالية. حيث لا يمكن الحديث عن عدالة انتقالية تغيب عنها المحاسبة، فالمصالحة تكون كنتيجة لنجاح مسار العدالة الانتقالية ككل من كشف للحقيقة وجبر للضرر المادي والمعنوي ورد للاعتبار، ومحاسبة، وإصلاح للمؤسسات.
وأجمع رافضو مشروع المصالحة وعلى رأسهم جمعيات ومنظمات وطنية ودولية أن المصالحة المطروحة في المبادرة ماهي إلا تهديد واضح لمكتسبات الثورة وعودة إلى الوراء مادامت هناك نية لإفلات رؤوس الفساد من المحاسبة، بتعلة أن هذا الأمر من شأنه أن يعيد الحركية الاقتصادية وسيحل العديد من الإشكاليات وعلى رأسها خلق مواطن الشغل.
ونظرا لكون المبادرة التي تحمل اليوم صيغة مشروع قانون أساسي متعلق بإجراءات خاصة بالمصالحة الاقتصادية والاجتماعية، معروضة حاليا على النقاش داخل مجلس نواب الشعب باعتبارها ذات أولوية، من الممكن والمتوقع عرضها على الجلسات العامة للنقاش والتصويت في القريب، لذلك فقد تكاتفت جهود بعض مكونات المجتمع المدني واتحدت من أجل التصدي لهذا المشروع.
فعلى إثر بيان مشترك لبعض المنظمات والجمعيات، وعلى إثر مجهودات المجتمع المدني في إبطال المبادرة، تم يوم الجمعة 15 جويلية عقد ندوة صحفية، في إطار حملة #ما يتعداش، بتنظيم 24 منظمة وجمعية وهي كالآتي:
محامون بلا حدود ،المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية، المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية، جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان ، جمعية بوصلة، التنسيقية الوطنية المستقلة للعدالة الانتقالية ، الشبكة التونسية للعدالة الانتقالية، القطب المدني للتنمية وحقوق الإنسان ، جمعية الكرامة ، جمعية تونسيات ،جمعية العدالة وردّ الاعتبار ، المرصد التونسي لإستقلال القضاء ، الجمعية التونسية لقانون التنمية ، المركز التونسي المتوسطي، مخبر الديمقراطية، جمعية أشبال خمير، جمعية خمير للبيئة و التنمية، جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية، نساء تونسيات، شبكة العدالة الإنتقالية للنساء أيضا، مركز دعم للتحول الديمقراطي وحقوق الإنسان. وبالتعاون مع المنظمات الدولية التالية: المفوضية السامية لحقوق الانسان، والمركز الدولي للعدالة الانتقالية، والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، ومحامون بلا حدود، والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، وهيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية فرع تونس.
وكانت الندوة الصحفية فرصة لتقديم تصور حول نص هذا المشروع، من حيث عدم دستوريته وتعارضه مع أهداف العدالة الانتقالية، وتهميشه للضحية في حال أنها المحور الأساسي للعدالة الانتقالية وبالتالي خرقه لقانون العدالة الانتقالية ككل.
وفي هذا الإطار استنكر السيد عمر الصفراوي عن المرصد التونسي للعدالة الانتقالية، أن تكون هذه المبادرة متأتية من رئيس الجمهورية الذي أقسم على حماية البلاد والالتزام باحترام الدستور عوض أن يأتي بمبادرة لا دستورية خارقة للقانون ولا تخدم مصلحة أحد سوى فئة معينة متورطة في الفساد بل وتشرّع له. كما أن طرح هذا المشروع في مثل هذه الفترة الصيفية أمر يذكّر بممارسات عهد بائد أي بتمرير برلمان بن علي في أوقات مدروسة (موسم الصيف وعطل) تلك المشاريع التي لا يمكن المصادقة عليها في الأوقات العادية، مع الإشارة أن هذا المشروع يفتك جزءا من صلاحيات هيئة الحقيقة والكرامة التي تمكنت أخيرا نسبيا من الحصول على ثقة الضحايا. وعبر السيد عمر الصفراوي عن مخاوفه من رجوع الممارسات السابقة ودخول تونس في حالة من الاحتقان والفوضى أو من أن يتم النيل من سمعة تونس على الصعيد الدولي في حال لم يسحب رئيس الجمهورية المشروع، وإذا ما تمت المصادقة عليه من قبل مجلس نواب الشعب. وختم مداخلته بالتذكير بالفصل 148 من الدستور حول التزام الدولة بتطبيق منظومة العدالة الانتقالية في مدتها وفي مجالاتها، والإشارة لإشكالية فرضية أن يكون رئيس الجمهورية المتحصل على الحصانة طيلة الفترة الرئاسية هو نفسه متورط في شبهة فساد.
من جهته، بيّن السيد أنطونيو منقانلا Antonio Manganella عن محامون بلا حدود، عدم دستورية مشروع القانون ومخالفته لروح وفلسفة العدالة الانتقالية طبقا للقانون عدد 53 مبينا أن المشروع بصدد الدرس داخل مجلس نواب الشعب وهو ما يؤكد أن طرح هذا المشروع مازال قائما. كما أوضح التناقض بين الأهداف المعلنة في نص المشروع والإجراءات والتدابير التي يتضمنها: فمن جهة، يشير الفصل الأول من الصيغة الحالية لمشروع القانون أن هذا القانون “يندرج في إطار تدعيم منظومة العدالة الانتقالية وتهيئة مناخ ملائم يشجع على الاستثمار وينهض بالاقتصاد الوطني ويعزز الثقة بمؤسسات الدولة”. ومن جهة أخرى، ينص القانون على 3 تدابير مناقضة للأهداف المعلنة وهي: إقرار عفو عام في حق موظفين عموميين وأشباههم من أجل أفعال تتعلق بالفساد المالي والاعتداء على المال العام، إقرار عفو عام في حق مرتكبي عدد من مخالفات الصرف، إقرار إمكانية الصلح لفائدة الأشخاص الحاصلين على منفعة جرّاء أفعال تتعلق بالفساد المالي أو الاعتداء على المال العام. وبين السيد مانقانلا أن مشروع القانون غير دستوري لما فيه من اخلال بالفصلين 10 و148 من الدستور المتعلقين بالتزام الدولة بالعمل على منع الفساد وبتطبيق منظومة العدالة الانتقالية في كل مجالاتها. هذا وأشاد في الختام بمجهودات المجتمع المدني وتمسكه بقضايا مجتمعه ومشاركته في الحراك الميداني مؤكدا على أهمية توحيد الصفوف نظرا لعمق الملف وخطورة تداعياته في إشارة لقضية جمعية أنا يقظ.
أما السيد كريم عبد السلام عن جمعية العدالة ورد الاعتبار فقد استهل مداخلته بالتعريج على الاخلالات القانونية للمشروع الذي اعتبره مغالطة مفهومية لأن المصالحة في الأصل مفهوم سياسي وليس قانونيا واستنكر الاحجام عن التسمية القانونية الأصلية المتمثلة في “عفو حول مرتكبي الفساد المالي”. وفي بحثه في الإطار المنطقي القانوني للمشروع، اتضح له أن كل التشريعات وترسانة القوانين لا تمت له بصلة ولا نجد أي توافق معه. إنما يذكر هذا المشروع بالفصل 227 مكرر في المجلة الجنائية الذي “يكافئ الجريمة” ويفصل في جريمة مواقعة الفتاة دون 16 سنة بالزواج. فحتى من حيث القيمة القانون، فقد اتخذ هذا المشروع صيغة “قانون أساسي” في حين أن مراعاة مصلحة الضحايا عادة ما تكون في شكل أوامر ومراسيم وإجراءات عادية وهو أمر ذو أبعاد رمزية لا بد من الوعي بها. وبين مخاطبنا أن المشروع يتعارض مع مصلحة الضحايا ومن شأنه أن يتسبب، إذا تمت المصادقة عليه، في تهديد السلم الاجتماعي.
أما السيد محمد كمال الغربي عن الشبكة التونسية للعدالة الانتقالية، فقد استنكر أن تكون أول مبادرة تشريعية لرئيس الجمهورية مبادرة تحصين وتبييض للفساد عوض القطع معه وعبر بدوره عن تضامنه مع جمعية أنا يقظ في حربها ضد الفساد وضد الحملة الشرسة التي تطالها. كما أكد أن المعركة ضد هذا المشروع هي معركة كرامة وسيتم مواصلة خوضها بكل الأشكال المتاحة. وأشار إلى دراسة قام بها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي حول العدالة الانتقالية مفادها أن 96,9% من المواطنين المستجوبين أنهم يرون ضرورة في كشف كل الحقيقة، أكثر من ثلثي التونسيين المستجوبين يرون في معالجة الجرائم الاقتصادية والفساد المالي مدخل البناء الديمقراطي كما أن 97,3% من نفس الفئة أجمعوا أن مكافحة الفساد جزء من العدالة الانتقالية في أهدافها الأولية، وأخيرا أقر 98% من نفس العينة أنهم مع إحداث إجراءات لغربلة المؤسسات من الأشخاص المتورطين في ملفات فساد، الأمر الذي إن دل على شيء فهو الوعي المواطني بضرورة تطبيق منظومة العدالة الانتقالية كاملة. وبالعودة لقانون العدالة الانتقالية، يشير الفصل الثامن إلى أن القضايا المتعلقة بالفساد المالي وإنهاك المال العام من مشمولات الدوائر القضائية المتخصصة، كذلك لقد سبق أن تعرّض الفصل 45 لآلية المصالحة والتحكيم ونظمها. فالنتيجة هي أن مشروع المصالحة يتعارض مع كل من قانون العدالة الانتقالية في عمقه وأيضا مع الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد التي تجرم الاعتداء على المال العام والفساد المالي، وكذلك مع الدستور، ومع إرادة المجتمع المدني، وإرادة الشعب.
ونظرا لعمق قضية المصالحة، وتوجه مختلف مكونات المجتمع المدني نحو العمل المشترك والنضال المشترك للوقوف صفا واحدا ضدا مشروع قانون المصالحة، ينتظر توسع دائرة الجمعيات والمنظمات المناهضة لهذه المبادرة. وفي هذا السياق أعلنت السيدة روضة العبيدي عن جمعية القضاة التونسيين، انتماء هذه الأخيرة للائتلاف المناهض للمشروع إيمانا بأهمية دور القضاء في التصدي له. وتجدر الإشارة إلى أن الجمعية قدمت بدورها دراسة للقانون وبيانا ينص على مخالفته للدستور وللمعايير الدولية ولقانون العدالة الانتقالية. وأشارت السيدة العبيدي إلى أهمية اعلان موقف هيئة مكافحة الفساد عن موقفها في هذا الشأن. أما السيدة كلثوم بدر الدين، عن جمعية يقظة، فقد سجلت أيضا انضمام الجمعية لمبادرة التصدي لمشروع المصالحة، باعتباره ذو خطورة كبيرة على الوضع الحالي للبلاد ويهدد المستقبل على حد سواء، على أمل أن يلقى المشروع الرفض من قبل مجلس نواب الشعب.
ويذكر أن مبادرة المجتمع المدني في التصدي لمشروع قانون المصالحة قد أصدرت بداية بيانا توضيحيا إلى الرأي العام حول رفضها له ومطالبتها التخلي عنه. وما هذه الندوة الصحفية إلا أحد أشكال مواصلة النضال ضد المشروع بالإضافة للمشاركة بمسيرة مانيش مسامح التي انطلقت عشية نفس اليوم من أمام مقر الاتحاد العام التونسي للشغل بساحة محمد علي بتونس العاصمة. هذه المسيرة التي لاقت النجاح حيث جمعت عددا كبيرا من المواطنين من مختلف الشرائح العمرية وعلى رأسهم الشباب فضلا عن ممثلين عن الجمعيات والمنظمات والأحزاب السياسية المعارضة. ولقد نادى المتظاهرون لإسقاط منظومة الفساد ولإسقاط مشروع القانون الذي يعتبره المتظاهرون ضربا للدستور ولمسار العدالة الانتقالية لما فيه من تبييض للفساد. وارتفعت خلال المسيرة أصوات المنددين بمشروع المصالحة منادين بشعارات سلمية على غرار: “الشعب يريد إسقاط الفساد”، “لا مكان في البلاد يا عصابة السراق”، “ماناش مسامحين”، “كي نتحاسبو تو نتصالحو”، “شعب تونس شعب حر والقانون لن يمر”، “المعاقبة استحقاق يا عصابة السراق”، “المقاومة هي هي يا سراق الميزانية”… ويشار إلى أن حملة مانيش مسامح لن تتوقف على هذه المسيرة، وإنما أعلنت تواصل التحركات الميدانية ببعض جهات الجمهورية لتكون التحركات على مستوى وطني موسع كوسيلة للضغط.
مشروع هذا القانون الأساسي عدد 49 لسنة 2015 المتعلق بإجراءات خاصة بالمصالحة الاقتصادية والمالية هو الآن بصدد الدرس داخل لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب التي عقدت بعض الاجتماعات لمناقشته وشرعت في القيام باستماعات حوله. والآن ينتظر الجميع معرفة مآل هذا المشروع المرجو إسقاطه. وفي الأثناء تتواصل جهود المجتمع المدني في مسيرته النضالية ضد المشروع وضد الفساد.