Al-Kawakibi Democracy Transition Center
منشور في01-12-2023.
أضيفت في1 août 2024
تم انجاز هذا العمل من طرف مجموعة العمل حول فضاء المجتمع المدني، ديسمبر 2023
2
.1 التمسك بالمرسوم :88
هل نحن في حاجة إلى قانون جديد؟
يمثل المرسوم 88 اإلطار القانوني األمثل لتطور العمل الجمعياتي يف تونس، وتصنفه المنظمات الدولية باعتباره واحدا من أفضل 10 قوانين خاصة بالجمعيات يف العالم. ويعتبره المقرر الخاص لألمم المتحدة المعني بحرية الجمعيات »موروث الثورة التونسية«. ويتطابق المرسوم مع جميع المعايير الدولية للعمل الجمعياتي من حيث حرية التكوين والتسيير، وضمان الرقابة الفعلية على عمل الجمعيات، وضمانات الشفافية المالية واإلدارية، والحق يف الوصول إلى التمويل بمختلف أنواعه، والتدرج يف العقوبة من المستوى اإلداري إلى القضائي.
ويقع على عاتق الجهات الرقابية المذكورة يف المرسوم 88 وغيرها من أجهزة الدولة أي تقصير يف متابعة الجمعيات وأنشطتها ومدى ّ تاليف هذه النقائص يكمن يف تطوير تنفيذها ألحكام المرسوم. وكما خلصت له عدد من الدراسات الوطنية والدولية وتقارير أممية، فإن
اإلدارة وآليات الرقابة وتمتيعها بالموارد البشرية والمادية والتقنية وليس يف تغيير النص.
أما من الناحية الشكلية، فيعتبر المرسوم 88 )شأنه شأن باقي المراسيم التي صدرت عن الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة خالل السنة 2011( بمثابة قانون أساسي وذلك بقرار صادر عن المحكمة اإلدارية، وبذلك ال يستوجب تعويضه بقانون أساسي.
ومن جهة أخرى يمثل المرسوم 88 قاعدة قانونية متكاملة مع باقي المنظومة القانونية المنطبقة على الجمعيات على غرار الدستور والمواثيق الدولية المصادق عليها والقوانين الوطنية، ومن بينها قانون مكافحة اإلرهاب وتبييض األموال، وقانون مكافحة الرشوة والفساد، وقانون السجل الوطني للمؤسسات، والمجلة الجزائية بمختلف أحكامها الزجرية….
وقد ساهم المرسوم 88يف تكوين ما يزيد عن 14.000 جمعية منذ الثورة، ليصل العدد الجملي إلى قرابة 24.000 جمعية )رغم أن التقييمات الميدانية تشير إلى وجود بين 7000 و8000 جمعية ناشطة ال غير(. ويعد هذا الرقم ضعيفا إذ يمثل تقريبا نسبة جمعية لكل 500 مواطن يف حين تصل هذه النسبة الى جمعية واحدة لكل 142 مواطنا يف المغرب )260.000 جمعية( ونسبة جمعية واحدة لكل 80 مواطنا يف كرواتيا.
.2 آليات الرقابة
ينص المرسوم 88 على جملة من آليات الرقابة اإلدارية والمالية المفروضة على الجمعيات. وأوكل مهمة الرقابة إلى الكاتب العام للحكومة. غير أن تطبيق هذه اآلليات بقي ضعيفا جدا نظرا للضعف المؤسسي الذي تشكو منه اإلدارة العامة للجمعيات وعدم تطويرها آلليات وأساليب عمل تمكنها من ممارسة دورها الرقابي طبقا للمرسوم 88 كما أن طابعها المركزي )مكتب وحيد يف العاصمة( وضعف إمكانياتها البشرية والمادية وغياب الرقمنة، جعلها غير قادرة على القيام برقابة ذات جدوى. ومن أجل تطبيق هذه الرقابة، أعطى المرسوم 88 للكاتب العام للحكومة دورا زجريا يتمثل يف تسليط العقوبات ضد الجمعية المخالفة، وحدد لذلك قائمة المخالفات وبين أنواع العقوبات المستوجبة حسب مبدأ التدرج يف العقوبة )توجيه تنبيه إداري، ثم تعليق النشاط بحكم قضائي، ثم حل الجمعية بحكم قضائي(.
وإضافة إلى ذلك تخضع الجمعيات، مثل سائر مكونات الدولة، إلى رقابة عدد من المؤسسات الرسمية على غرار رقابة البنك المركزي ولجنة التحاليل المالية يف عالقة بالتحويالت والمعامالت المالية، ورقابة وزارة المالية يف عالقة بالمسائل المالية والضريبية، ورقابة الصناديق االجتماعية يف عالقة بالتشغيل، ورقابة لجنة مكافحة اإلرهاب يف التحري حول أيّة عالقة باإلرهاب وبتمويله، ورقابة الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد يف عالقة بالتصريح بالمكاسب، ورقابة وزارة الداخلية وسلطة الوالي والمعتمد يف عالقة بأنشطة الجمعيات، ومطابقتها لجميع قوانين البالد، ورقابة محكمة المحاسبات يف عالقة بالتمويل العمومي، ورقابة القضاء على التزام الجمعيات بجميع القوانين والمجالت التونسية. وتخضع الجمعيات لرقابة هياكل مهنية الخبراء المحاسبين والمحاسبين والمحامين واإلعالميين.
أهم آليات الرقابة اإلدارية والمالية التي ينص عليها المرسوم :88
توضيـــــحـــات حول واقع منظمات المــــجتمع المـــــدنـــــي فـــي تــــــــونس 3
ُ 88 الكاتب العام للحكومة دورا رقابيا إداريا مالزما لكافة مراحل حياة الجمعية من اإلحداث • على المستوى اإلداري َ : منح المرسوم
وصوال إلى الحل مرورا بمراحل التنقيح والتغيير. وهي تتمثل باألساس يف إعالم الكاتب العام للحكومة بالتأسيس )الفصل 10( وبكل التنقيحات المتعلقة باألنظمة األساسية للجمعية يف أجل أقصاه شهر )الفصل 16( وبقرارات حل الجمعية.
– تلقي التقارير المالية ونشرها: حيث أوجب المرسوم )بالنسبة إلى الجمعيات التي تتجاوز مواردها السنوية 100 ألف دينار( على مراقب الحسابات رفع تقريره إلى الكاتب العام للحكومة وإلى رئيس الهيئة المديرة للجمعية يف أجل شهر ابتداء من تاريخ تبليغه القوائم المالية للجمعية. ومن جهة أخرى أوجب المرسوم على الجمعية نشر قوائمها المالية مرفقة بتقرير مراقبة الحسابات بإحدى وسائل اإلعالم المكتوبة وبالموقع اإللكتروني للجمعية يف ظرف شهر من تاريخ المصادقة عليها.
– أما بخصوص الرقابة على التمويل األجنبي فقد ألزم المرسوم يف الفصل 41 الجمعيات التي تحصل على تمويل أجنبي بضرورة القيام بإعالمين: أولهما للعموم وثانيهما للكاتب العام للحكومة، حيث ينص صراحة بقوله: »على الجمعيات أن تنشر المساعدات والتبرعات والهبات األجنبية وتذكر مصدرها وقيمتها وموضوعها بإحدى وسائل اإلعالم المكتوبة وبالموقع اإللكتروني للجمعية«. ّعُ َ الكاتب العام للحكومة حق الرقابة على التمويل األجنبي للجمعيات. غير أن تفعيل هذا الدور الرقابي وبذلك أعطى المشر
َبقي منقوصا لضعف إمكانيات الكتابة العامة للحكومة وعدم مساعدة بقية أجهزة الدولة التي تتوفر لديها هذه المعلومة الكتابة َ للحكومة يف اإلعالم بهذه المساعدات، مثال ذلك البنك المركزي الذي يكون على علم بجميع التحويالت البنكية األجنبية.العامة
– أما بشأن الرقابة على التمويل العمومي فقد نص المرسوم بالفصل 44 منه على وجوب أن تقدم كل جمعية تستفيد من المال العمومي تقريرا سنويا إلى دائرة المحاسبات يشمل وصفا مفصال لمصادر تمويلها ونفقاتها. ومن جهة أخرى أوجب األمر عدد 5183 لسنة 2013 والمتعلق بضبط معايير وإجراءات وشروط إسناد التمويل العمومي للجمعيات على الهيكل العمومي أن يرفع تقريرا سنويا يوجه إلى الكاتب العام يتضمن حجم التمويل العمومي المسند لكل جمعية وقائمة الجمعيات المستفيدة وأوجه إسناده.
.3 اإلرهاب وتبييض األموال
ومثلما هو الشأن يف عدد من الدكتاتوريات الناشئة )مصر، وروسيا، والمملكة العربية السعودية…(، كثيرا ما يستعمل السياسيون يف تونس الخطر الناجم عن العالقة بين الجمعيات واإلرهاب، يف حين أن هذا الخطر ال يتجاوز النسب الواردة يف القطاعات األخرى. وبالتحري يف الموضوع نجد أن عدد قضايا اإلرهاب يف الجمعيات )بمختلف مجاالت عملها( ضعيف، وأن عدد الجمعيات التي تم تجميد أرصدتها من قبل اللجنة الوطنية لمكافحة اإلرهاب من أجل شبهات إرهابية ال يتجاوز 4 جمعيات )منها محتشد الرڤاب الذي قام المجتمع المدني بالتبليغ عنه(. ويف كل الحاالت، فإن هذا الخطر تم التنصيص عليه يف قانون مكافحة اإلرهاب وتبييض األموال الذي تخضع له الجمعيات مثل باقي مكونات الدولة دون تغيير قوانينها الخاصة.
ويجب التذكير من جهة أخرى، أن أهم المنظمات الدولية وأقواها يف مجال مكافحة تمويل اإلرهاب، أي مجموعة العمل المالي )أو GAFI أو FATF )أسندت يف تقييمها الوطني لخطر تمويل اإلرهاب يف تونس سنة 2020 إلى قطاع الجمعيات أحسن تقييم ممكن »مطابق«)يف التوصية عــ8ــدد الخاصة بالجمعيات( والذي تتقاسمه تونس مع 5 دول متقدمة )الواليات المتحدة وكندا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة وهونغ كونغ(. وبفضل هذا التقييم، الذي اعتمد منهجية مشتركة بين الحكومة والمجتمع المدني، خرجت تونس ّ تونس إلى السقوط مجددا يف القائمة الرمادية خالل ّ تغيير قانون الجمعيات )المرسوم 88( قد يجرمن القائمة الرمادية، بل إن
التقييم القادم )2024 أو 2025( حيث إن التوصية التي قدمتها مجموعة العمل المالي )أو GAFI أو FATF )إلى الحكومة التونسية يف مجال الجمعيات تنص على الحفاظ على القانون )أي المرسوم 88( وتحسين التطبيق ونشر الوعي بالمخاطر.
كما يساهم المجتمع المدني يف معاضدة جهود الدولة يف التوقي من التطرف العنيف ومن اإلرهاب وذلك من خالل بعث مشاريع مشتركة بين عدد من الجمعيات المحلية وعدد من الوزارات واللجنة الوطنية لمكافحة اإلرهاب )مشروع جسور، ومشروع ترابط …( تهدف الى تعزيز التماسك والصمود المجتمعي ومن خالل بعث مشاريع لصالح شباب مهدد بخطر االستقطاب.
4
.4 العالقة بين المجتمع المدني واألحزاب
التذكير بدور الحزب ودور الجمعية والفرق بينهما: النسيج الجمعياتي قطاع قائم بذاته وشريك هام لمؤازرة المجهود الوطني الرامي إلى تجذير قيم المواطنة وتأمين انخراط مختلف الشرائح االجتماعية يف المسار الديمقراطي والتنموي باعتباره قوة تعديلية تتوسل بالطرق السلمية المدنية. وتخضع الجمعيات إلى أحكام المرسوم عــ88ــدد لسنة 2011 مؤرخ يف 24 سبتمبر 2011 ويتعلق بتنظيم الجمعيات.
أما الحزب فهو اتفاق بين مواطنين تونسيين يساهم يف التأطير السياسي للمواطنين ويف ترسيخ قيم المواطنة، ويهدف إلى المشاركة يف االنتخابات قصد ممارسة السلطة يف المستوى الوطني أو الجهوي أو المحلي. وينظم العمل الحزبي مرسوم عــ87ــدد لسنة 2011 مؤرخ يف 24 سبتمبر 2011 يتعلق بتنظيم األحزاب السياسية. فمن حق الجمعيات االهتمام بالشأن العام السياسي واالقتصادي وغيره … والضامن لذلك المرسوم 88 نفسه )الفصالن 4 و5( والمواثيق الدولية )العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية..( وقد تتقاطع مواضيع عمل عدد من األحزاب مع عدد من الجمعيات يف إطار حملة مناصرة أو نشر ثقافة لقضية وطنية مشتركة مثل الدفاع عن البيئة أو االقتصاد التضامني أو غيرهما.
والمجتمع المدني حريص على احترام القانون والحوكمة الرشيدة، وللدولة جميع اإلمكانات لمراقبة ذلك وزجره )تطبيق الفصل 4 من مرسوم الجمعيات ومرسوم األحزاب وغيرهما من القوانين(. بل إن مرسوم األحزاب وقانون االنتخابات يمنعان التداخل بين الجمعيات واألحزاب، أما الزجر فيكون على أسس فردية لكل من ثبت عليه ارتكاب المخالفة )حزب أو قائمة انتخابية أو جمعية(. وال يمكن أن يكون العقاب جماعيا ويطبق على جميع الجمعيات وحرمانها من حق كفله الدستور والقانون والمواثيق الدولية. وتخضع األحزاب والجمعيات إلى آليات رقابية متعددة قصد ضمان شفافية المعامالت االقتصادية والمالية والحوكمة الرشيدة )السجل الوطني للمؤسسات / اإلدارة العامة للجمعيات / الكتابة العامة للحكومة / لجنة شبه قضائية /هيئة االنتخابات / دائرة المحاسبات / لجنة التحاليل المالية / الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد(.
ويكمن أهم وجوه التداخل بين األحزاب والجمعيات يف انخراط مؤسسي للجمعيات صلب األحزاب، وهو ما ال يمنعه القانون التونسي ّة ممن يضطلعون بمسؤوليات ضمن الهياكل إ ّل على مستوى القيادات الحزبية )الفصل 9 – ال يمكن أن يكون مؤسسو ومسيرو الجمعي
ّة(. ومن المفترض أن تسهر هياكل الرقابة على تطبيق هذه الفصول، خصوصا اإلدارة العامة المركزيّة المسيرة لألحزاب السياسي
ّ للجمعيات وتسليط العقوبات التدريجية الالزمة )التنبيه ثم التعليق ثم الحل( باالستعانة بـدور المكلف العام بنزاعات الدولة والقضاء العدلي. كما تحجر القوانين االنتخابية الترشح لمجلس نواب الشعب بالنسبة إلى مسيري الجمعيات، وتسهر هيئة االنتخابات على تطبيق هذا التحجير. وفضال عن ذلك قد يحدث التداخل بين الجمعيات واألحزاب من خالل تمويل الجمعيات للحمالت االنتخابية لبعض المرشحين الحزبيين والمستقلين على غرار ما حدث بالنسبة إلـى »عيش تونسي« و«قلب تونس«. ويف كلتا الحالتين، ورغم تنبيه العديد من الجمعيات إلى تلك التجاوزات ومطالبتها الدولة بالقيام باإلجراءات الالزمة )جمعية »أنا يقظ« يف حالة عيش تونسي…( لم تقم الدولة بدورها الرقابي يف اإلبان، على مستوى الكتابة العامة للحكومة بصفة استباقية، وال على مستوى الهيئة العليا المستقلة لالنتخابات وال على مستوى محكمة المحاسبات يف الرقابة البعدية.
توضيـــــحـــات حول واقع منظمات المــــجتمع المـــــدنـــــي فـــي تــــــــونس 5
.5 دور المجتمع المدني باعتباره شريكا
من هو المجتمع المدني؟
يغطي النسيج الجمعياتي التونسي كامل تراب الجمهورية، وهذا النشاط المتنوع يعكس تنوع االهتمامات والقضايا التي يهتم َتبر المجتمع المدني مرآة للمجتمع، حيث يعكس تنوع التونسيين والتونسيات يف بها التونسيون والتونسيات وتعددها. ويُع
ّالة، تلعب منظمات المجتمع المدني اهتماماتهم ومشاكلهم وهوياتهم وحساسيتهم الفكرية والسياسية. ومن خالل مشاركتها الفع
ًا يف تعزيز الشعور بالمواطنة وتحسين جودة الحياة للناس إذ يمكنها أن تساعد يف تطوير السياسات والبرامج التي تلبي احتياجات دور
المجتمع، وتشجيع المشاركة المدنية.
ً على ذلك، يحظى المجتمع المدني بثقة ما يقارب ثلثي المواطنين كما تدل على ذلك نتائج وزيادة الوعي بالقضايا العامة. وبناء
سبر اآلراء، كما عبر 26.5% فقط من المستجوبين )وهو عدد ضئيل( عن ضرورة تعديل قانون الجمعيات عندما سئلوا بخصوص أهم اإلصالحات التي يجب القيام بها لتطوير الحياة السياسية يف تونس ضمن االستشارة الوطنية التي أنجزت خالل سنة 2022 ًا من ًا بارزًا يف تاريخ تونس، بدءوالموسومة بــالمجتمع المدني شريك يف بناء الوطن. وعلى مر السنوات، لعب المجتمع المدني دور دوره يف إشعال ثورة 2010-2011 ومساهمته يف تطوير الديمقراطية بعد ذلك. ساهم يف صياغة الدستور الجديد يف عام 2014 ووضع ًا يف الرقابة على االنتخابات وأداء الحكومة ًا هامالعديد من القوانين األساسية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية. كما لعب دور
والمجالس المنتخبة.
وتقوم منظمات المجتمع المدني الواسعة والمتنوعة بدور أساسي يف تعزيز الديمقراطية وتوفير مساهمات قيمة من أجل صياغة السياسات العامة وتنفيذها.. وتقوم المنظمات بجمع المعلومات والبيانات وتحليلها بعمق قصد فهم القضايا المختلفة، ومن ثم تقديم توصيات مستندة إلى أدلة قوية بغية دعم عملية اتخاذ القرار. كما تشارك يف الحمالت قصد ضمان تنفيذ السياسات
ً ً ا مهما يف مراقبة بطريقة تلبي مصالح المجتمع وتحقق العدالة االجتماعية. باإلضافة إلى ذلك، تلعب منظمات المجتمع المدني دور تنفيذ السياسات ومساءلة السلطات الحكومية. وقد ساهم المجتمع المدني بصفة كبيرة جدا يف إرساء ثقافة الشفافية والمساءلة والمحاسبة يف الشأن العام والتصدي لظاهرة اإلفالت من العقاب وعديد االنحرافات التي وقعت والتي ال تزال تقع.
دور المجتمع المدني يف النهوض بالوضعية االقتصادية واالجتماعية: إضافة إلى مساهمته المباشرة يف التشغيل، والجباية وجلب العملة الصعبة، يلعب المجتمع المدني دورا مهما باعتباره شريكا يف التفكير واقتراح سياسات اجتماعية واقتصادية وتنفيذها، باإلضافة إلى متابعة إعمالها وتقييمها، ويبدو ذلك يف السنوات األخيرة من خالل مشاركته مثال يف صياغة القانون المتعلق بالمسؤولية المجتمعية للمؤسسات، واالقتصاد االجتماعي والتضامني، وقد قدم العديد من المقترحات يف إطار مناقشة قوانين المالية من أجل تكريس العدالة الجبائية وحاول التصدي لسياسات التقشف وعمل على اقتراح سياسات بديلة من شأنها أن تحقق العدالة االجتماعية. وساهم المجتمع المدني يف تكوين اآلالف من األشخاص يف وضعية ضعف )نساء وشباب يف مناطق مهمشة، وسجناء…( يف العديد من الميادين باإلضافة إلى مساعدة العديد يف الحصول على تمويالت وإرساء مشاريع هادفة للربح يف إطار مشاريع يتم تنفيذها غالبا بالشراكة مع مؤسسات الدولة.
ًا من األشخاص المهمشين اقتصاديًا وصوالً إلى ذوي اإلعاقة وللمجتمع المدني مساهمة كبيرة يف مساعدة الفئات األكثر هشاشة، بدء وضحايا العنف عبر جمع التبرعات وتوفير جميع أنواع الخدمات، ومن بينها اإلحاطة القانونية، واالجتماعية، والنفسية والمعنوية. ويساهم المجتمع المدني أيضا يف التصدي للكوارث والجائحات على غرار الدور الذي نهض به خالل جائحة الكوفيد.
المجتمع المدني باعتباره مصدر إشعاع لتونس: على الصعيد الدولي، شغل المجتمع المدني التونسي مكانًا مميزًا صلب العديد من الفعاليات والندوات الدولية يف مختلف المجاالت إضافة إلى فوزه بجائزة نوبل سنة ،2015 حيث استعرض دوره يف العديد ّ من المجاالت وشارك يف الدفاع عن قضايا تهم اإلنسانية جمعاء، على غرار التغير المناخي، وأزمة التداين يف دول الجنوب العالمي، باإلضافة إلى إدانة السياسات الغربية يف ما يتعلق بسياسات الهجرة وبمساندة ودعم القضية الفلسطينية كما نشهده اليوم، إذ نالحظ حركية وابتكارا للمجتمع المدني وتكريسا الستقالليته.
6
.6 التمويل األجنبي
الحق يف تكوين الجمعيات ال يقتصر على إمكانيات تكوين الجمعيات واالنضمام إليها بل هو يشمل التماس وتلقي واستخدام الموارد – البشرية والمادية الماليـة – مـن مـصادر محلية وأجنبية ودولية. وهذا الحق ينص عليه عدد من المواثيق األممية والقواعد التوجيهية وتنص عليه القوانين التونسية: المرسوم 88 واألمر :5183
»…يمكن للجمعية أن تقبل المساعدات والتبرعات والهبات والوصايا…«)الفصل 5(
و«تتكون موارد الجمعية من … التبرعات والهبات والوصايا، وطنية كانت أو أجنبية« )الفصل 34(
بالنسبة إلى الجمعيات التي تعمل على تعزيز حقوق اإلنسان )بما يف ذلك الحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية( وكذلك الجمعيات التي تعمل على تقديم خدمات )اإلغاثة، والرعاية الصحية، والحماية البيئية…( يُعتَبر حصولها على الموارد أمراً ّ مهماً بالنسبة إلى المستفيدين من عمل الجمعية. واألكيد أن الحد من الوصول إلى هذه الموارد يمس بصفة مباشرة المنتفعين والمستفيدين من عمل الجمعيات )فئات هشة، وضحايا الكوارث الطبيعية، وباعثي المشاريع، وأطفال فاقدي السند …(
َ ويحمل على الجمعيات عدد من االلتزامات القانونية والمالية والمحاسبية يف عالقة باستخدام األموال والموارد التي تتحصل عليها. وعالوة على الشفافية التي هي ملزمة بها، تخضع الجمعيات إلى مساءلة الهيئات الرقابية )اإلدارة العامة للجمعيات، والبنك المركزي، ولجنة التحاليل المالية، والسجل الوطني للمؤسسات، واللجنة الوطنية لمكافحة اإلرهاب، والهيئة الوطنية لمكافحة الرشوة والفساد…( ومساءلة الجهات ذات العالقة على غرار المحاسبين والخبراء المحاسبين والجهات المانحة وغيرها .
ُّتقييد أو وصم التمويـل الخارجي بتعلة الحفاظ على السيادة يجعل من تونس تنضم إلى مجموعة الدول غير الديمقراطية التي تحد ً حسب المواضيع التي تركِّز عليها. وحيثما يكون ً تمييزيةُ من سبل الحصول على التمويل األجنبي أو التي تعامل الجمعيات معاملة ّة يف االعتماد على المساعدة األجنبيـة.التمويل المحلي نادراً أو صعب الحصول، من المهم للجمعيات أن تكون حر
ّى فيه الدولة التونسية تمويالً متزايداًَّم إلى الجمعيات، يف الوقت الذي تتلقِّ هناك تناقض متأصل يف معارضة التمويل األجنبي المقد مـن خالل التعاون الدولي مع جميع شركائها الدوليين. حيث يمكن للدولة االنتفاع من التمويل األجنبي الموجه إلى الجمعيات قصد ّب على الدولة توفيرها لمواطنيها ومؤسساتها )نقل التالميذ، ومراكز اإليواء، وتعزيز قدرات أعوان سد فراغات يف الخدمات التي يتوج
الدولة، وجهود الرقمنة …(. كما يتعين على الدولة العمل على توفير الموارد لكافة الجمعيات من خالل آليات واضحة وقابلة للتطبيق ِّ من التمويل األجنبي دون تمييز على أساس القرب من السلطة أو على أساس موضوع عمل الجمعية عوضاً عن السعي إلى الحد للمجتمع المدني.
.7 المساهمة االقتصادية للمجتمع المدني
للمجتمع المدني مساهمة مؤكدة وثابتة يف مجاالت االقتصاد والتنمية والتكافل االجتماعي، حيث يساهم المجتمع المدني يف الناتج الوطني الخام )بين 3% و5% بإدراج الخدمات ذات العالقة( ويف التشغيل )يف حدود 4% بصفة مباشرة وغير مباشرة( ويف توفير العملة الصعبة )بعض مئات ماليين الدينارات سنويا( ويف الحماية والمرافقة االجتماعية )آالف النساء والمستضعفين سنويا( ويف بعث ومصاحبة المشاريع )19500 مؤسسة صغرى إلى حدود 2020(. كما تساهم الجمعيات يف تعبئة موارد الدولة من دافعي الضرائب.
ورغم عدم توفر المعلومة كاملة لدى مختلف مؤسسات الدولة المعنية بالشأن االقتصادي، يعمل المجتمع المدني والخبراء على جمع اإلحصائيات ومعالجتها لتوفير تحليل حول المساهمة االقتصادية واالجتماعية للمجتمع المدني من أجل المساهمة يف انتهاج السياسات االقتصادية الوجيهة يف عالقة بالمجتمع المدني.
توضيـــــحـــات حول واقع منظمات المــــجتمع المـــــدنـــــي فـــي تــــــــونس 7
.8 الحق في تكوين الجمعيات والتنظم
الحق يف حرية تكوين الجمعيات وسيلة لممارسة عدة حقوق مدنية وثقافية واقتصادية وسياسية واجتماعية أخرى. ويمثل عنصرا أساسيا من عناصر الديمقراطية ألنه يمكّن األفراد من »التعبير عن آرائهم السياسية والمشاركة يف األعمال األدبية والفنية وغيرها من األنشطة الثقافية واالقتصادية واالجتماعية، والمشاركة يف ممارسة الشعائر الدينية وغيرها من المعتقدات، وتشكيل النقابات والتعاونيات واالنضمام إليها، وانتخاب القادة لتمثيل مصالحهم ومساءلة هـؤالء القـادة«.
بموجب الفصل 40 من دستور 2022 والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه تونس منذ سنة 1969 وأصبحت طرفا فيه منذ سنة 1970 يعتبر الحق يف حرية تكوين الجمعيات، بما يف ذلك الحق يف تشكيل منظمات تُعنى بالشؤون المدنية والسياسية وااللتحاق بهذه المنظمات، مبدأ أساسيا للحقوق المحمية حيث يشارك المواطنون يف إدارة الشؤون العامة بممارسة النفوذ من خالل المناقشات العامة والحوار مع ممثليهم، أو من خالل قدرتهم على تنظيم أنفسهم. وتعزز هذه المشاركة بضمان حرية التعبير، واالجتماع، وتكوين الجمعيات.
إذ ال يجوز أن تضع الحكومة التونسية قيودا على ممارسة هذا الحق إال تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية، يف مجتمع ديمقراطي، بهدف صيانة األمن القومي، أو السالمة العامة، أو النظام العام، أو حماية الصحة العامة أو حماية حقوق اآلخرين وحرياتهم. وال تحول هذه المادة دون إخضاع السلطات التشريعية والتنفيذية لقيود قانونية على ممارسة هذا الحق، كما أنه ال يجوز لهذه القيود أن تعرض الحق األصلي نفسه للخطر. وفيما عدا ذلك، فإن توظيف قيود إجرائية وإدارية على تسجيل الجمعيات )إجراءات إضافية تفرضها اإلدارة العامة للجمعيات( وعلى تنفيذ أنشطتها )بعض التضييقات التي تفرضها السلطة التنفيذية بشكل تصاعدي( وعلى حصولها على الموارد )إجراءات طويلة ومكلفة من البنوك وأجهزة الرقابة( يعتبر تجاوزا للسلطة يعاقب عليه القانون )الفصل 4 من المرسوم 88(. وهذه الممارسات من شأنها التأثير ال فقط على تكوين الجمعيات بل تفضي كذلك إلى التأثير على استقالليتها، والعودة الى مجتمع مدني تسيطر عليه السلطة التنفيذية شبيه بحال ما قبل الثورة وشبيه بوضع الدول االستبدادية .
ّ من ناحية أخرى فيما يتعلق بتقرير المقرر الخاص لألمم المتحدة المعني بالحق يف حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، يف 24 جوان ،2019 فقد قدم النتائج التي خلص إليها بشأن ممارسة هذه الحقوق يف تونس وأعرب عن المخاوف التي تنتابه بشأن َ التهديدات المحتملة التي تواجه حرية تكوين الجمعيات واالنضمام إليها والتجمع وشدد المقرر الخاص على دور المرسوم عدد 88 المتعلق بتنظيم الجمعيات يف تونس باعتباره ركيزة تشريعية ساهمت يف ازدهار المجتمع المدني الذي ال يزال ينهض بدور حيوي يف مواجهة التهديدات التي تتعرض لها الحقوق والحريات يف تونس ما بعد 2011 كما اعتبر المقرر الخاص أن المرسوم 88 أحد أكثر القوانين تقدما يف منطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا. وقد أوصى أيضا بعدم القيام بأيّة تعديالت على اإلطار القانوني الحالي من شأنها أن تعرقل قدرة المنظمات غير الحكومية على العمل بحرية عبر عوائق قضائية أو إدارية تكون تعسفية أو مرِهقة.