كانت سنة 1972 حافلة بالأحداث على أكثر من صعيد سواء في تونس أو في أوساط الجالية التونسية بباريس وخاصّة الطلابية منها. كان الطلبة التونسيون في باريس وحركة اليسار يعيشون على وقع حركة فيفري 1972 حيث افتكت دار تونس الواقعة بالحيّ الجامعي بباريس ولجأ مديرها آنذاك إلى الاستنجاد بما يعرف بالفرق الجمهورية للأمن التي اعتقلت أكثر من مائة طالب قضوا ليلتهم في مراكز الأمن
ليلتها انتظم اجتماع عامّ لكلّ متساكني دار تونس ووقع انتخاب هيئة جديدة وأُعلنت دار تونس مفتوحة لكلّ التونسيين، وهبّ عدد من الطلبة التونسيين من مجالات فنية مختلفة (مسرح، سينما، موسيقى) ليقترحوا إقامة أنشطة ثقافية في تلك الدّار التي أصبحت ملتقى التونسيين الجديد عوضا عن مقرّ جمعية طلبة المغرب وشمال إفريقيا
ذلك هو السياق الذي نشأت فيه “الكادكاف” وضمّت وقتها عناصر كانت في أوج شبابها وأصبحت فيما بعد، ومازالت إلى اليوم، من أفضل نخب المسرح والسينما والموسيقى في بلادنا نذكر منهم توفيق الجبالي، محمد إدريس، على سعيدان، الهادي قلة، عمّ خميس زليلة، ، الفاضل الجعايبي، الحبيب المسروقي، رشاد المنّاعيثمّ التحق …بهم كلّ من أحمد السنوسي وفاطمة سعيدان والمنصف الذويب وغيرهم
كانت حركة اليسار السياسي الجديد، الذي انطلق سنة 63، في ذروتها آنذاك ولم يكن العمل الثقافي بالمعنى الإبداعي مدرجا في رؤيته النضالية أو على الأقلّ في الأشكال النضالية التي لم تكن تخرج عن إصدار الجرائد وتنظيم الاجتماعات والمسيرات ومختلف التحركات الاحتجاجية، وتوزيع المناشير وجلب انتباه الرأي العامّ التونسي والأجنبي حول مصادرة الحريات في تونس والاستفراد بالحكم من قبل الرئيس بورقيبة وحزبه الأوحد
ولادة لجنة العمل ونشر الثقافة العربية بفرنسا جاء ليعلن عن أهمية البعد الثقافي في مقاومة الاستبداد ويشغل مجالا كان شاغرا إلى حدّ ذلك الوقت الذي بدأ فيه الحديث عن ثقافة بديلة ظهرت بوادرها منذ بداية الاستقلالات وتأصّلت في العالم العربي خاصّة بعد هزيمة 67 وبروز ظاهرة الشيخ الإمام وإحياء ذكرى محمود بيرم التونسي وسيد درويش وغيرهم وتلقفها في تونس
هذا التلقّف لعبت فيه شخصية محورية دورا أساسيا باعتباره همزة الوصل وعنصر التجميع بين هؤلاء الفنانين من مشارب وحقول مختلفة، وأعني الهاشمي بن فرج أحد أهمّ عناصر منظمة برسبكتيف التي اعتقل جميع عناصرها تقريبا سنة 1968 ولم ينج سوى هو تقريبا باعتباره مقيما بباريس فكلّف بتمثيل الحركة في الخارج وإعادة بائها وطبع كافة المنشورات وإرسالها إلي تونس وجرت أحداث، ومسارات، ومياه جرت تحت الجسور، ولقاءات غرائبية مثل التي جمعته صدفة بعمّ خميس، يصعب تلخيصها هنا، جعلته ينتهي إلى الاقتناع بأهمية العمل الثقافي دون إسقاط الانتماء السياسي النضالي
هذه الشخصية التي لا يمكن التعرّض إلى تاريخ اليسار التونسي دون ذكرها وما قدّمته نضاليا هي التي ستكون ضيف هذه السهرة الرمضانية التي تحملنا على جناح الزّمن للتذكير بأحد أجمل فترات الإبداع الفنّي زمن كان اليسار يتصدّر فيه المعارضة التونسية
الهاشمي بن فرج سنجده بعد عودته إلى تونس أحد أهمّ مهندسي الثقافة البديلة، فهو أوّل من ذهب إلى مصر لما كان مقيما في باريس لمقابلة الشيخ الإمام وعاد بتسجيلات انتقى منها ما نشر في أول إسطوانة للشيخ إمام بباريس والتي مكنت التعريف بأغانيه خارج مصر ثم وقع استقدامه إلى تونس من طرف جامعة البنوك التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل في أكبر مهرجاناتها ثمّ استقدام مارسيل خليفة وبوب مارلي وغيرهم يوم كان مساعدا لمدير مهرجان قرطاج الدولي، رجاء فرحات، وأنتج جميع أعمال الشيخ الإمام يوم شغل خطة مؤسس شركة صوت إفريقيا”، وكان صحبة الحبيب بلعيد وراء نشر الأغاني البديلة على أمواج إذاعى أر تي سي إي
يُستهلّ اللّقاء بشريط وثائقي بـ 20دق يجمع مقتطفات حية لمعالم تلك المغامرة الثقافية الفريدة مع أسماء عشنا معها وكبرنا معها ثم حوار حول دور الثقافة في مسار النضال السياسي لليسار التونسي ومن أجل الحريات والديمقراطية عموما
ستكون الأمسية بمشاركة
الهاشمي بن فرج
توفيق الجبالي
علي سعيدان
حبيب بالعيد