مع تسارع الاعتماد على الإنترنت والتقنيات الرقمية الحديثة وتصاعد استعمال الذكاء الاصطناعي بشكل رهيب في حياتنا اليومية، نما نوع من العنف الأخطر والخفيّ الا وهو “العنف الرقمي“هذا النوع من العنف لا يقف عند حدود الابتزاز أو التجاوزات الكلامية بل يمتد ليطال الخصوصية، الكرامة، السلامة النفسية، والأمان الجسدي للنساء والفتيات ذلك أن العنف الرقمي أو “العنف الميسّر بالتكنولوجيا” يشمل “أي فعل يُرتكب، يُسهّل، يتفاقم أو يتوسّع عبر استعمال تكنولوجيا المعلومات أو أي وسيلة رقمية، ويؤدّي إلى أذى جسدي أو جنسي أو نفسي أو اجتماعي أو اقتصادي أو إلى انتهاك الحقوق والحريات، يمكن الاشارة الي أن أشكال هذا العنف كثيرة ومتنوّعة، منها
- نشر صور أو مقاطع خاصة بدون موافقة (سرقة معطيات، “doxing”).
- ممارسة “stalking / تتبّع” عبر الفضاء الرقمي، أو مراقبة على الإنترنت.
- harcèlement، رسائل/تعليقات تحرش أو تهديد.
- “deepfakes” أو تعديل صور/فيديوهات بطريقة مسيئة.
- خطاب كراهية، تشويه سمعة، حملات تشهير أو تهديد.
أصبح الفضاء السيبراني امتدادًا للحياة اليومية، لكنّه في الوقت نفسه تحوّل إلى ساحة تتضاعف فيها مخاطر التحرّش، التهديد، الابتزاز، والاختراقات التي تستهدف النساء بشكل خاص
تُظهر تقارير الأمم المتحدة وUN Women حيث ما يقارب 38٪ من النساء حول العالم تعرّضن لشكل من أشكال العنف الرقمي، و 85٪ منهن شاهدن عنفًا موجّهًا ضد امرأة أخرى. وتتراوح نسب التعرّض للعنف الإلكتروني بين 16٪ و58٪ عالميًا، بينما تكشف بيانات حديثة أن 60٪ من النساء في المنطقة العربية اللواتي يستعملن الإنترنت أفدن بتعرّضهن لشكل من أشكاله، سواء عبر التحرّش، التنمّر، التتبع، سرقة المعطيات الشخصية أو التشويه عبر تقنيات متطورة مثل “الديب فايك”.
تعكس هذه الأرقام واقعًا مقلقًا خاصة وأن أقل من 40٪ من دول العالم تمتلك قوانين واضحة تجرّم التحرّش أو التتبع الإلكتروني وذلك في غياب تشريعات قوية حيث تجد الكثير من الضحايا أنفسهن دون حماية أو مسارات إنصاف فعّالة، رغم خطورة التأثيرات التي قد تبدأ على الشاشة وتنتهي بتهديدات ميدانية، عزلة اجتماعية، اضطرابات نفسية، أو انسحاب النساء من الفضاء العام.
في تونس، ورغم وجود ترسانة مهمة مثل قانون 58 المتعلّق بالقضاء على العنف ضد المرأة، إلا أن التشريعات الحالية لا تزال عاجزة عن مواكبة التطور السريع للعنف الرقمي. التقارير المحلية تشير إلى أن حوالي 60٪ من النساء التونسيات واجهن أشكالاً من العنف السيبراني تشمل التحرّش الجنسي الإلكتروني، التهديد، التشهير، القرصنة أو الملاحقة عبر الإنترنت. العديد من الناشطات والصحفيات تحدّثن عن حملات منظّمة استهدفتهن بخطابات كراهية وهجمات رقمية ممنهجة دفعت البعض إلى تقليص نشاطهن أو الانسحاب تمامًا من الفضاء العام.
إلى جانب الفراغ القانوني، تُظهر التجارب أن الخلط بين قوانين مكافحة الجريمة الإلكترونية والإجراءات المتعلّقة بالأمن الرقمي من جهة، وبين حقوق النساء وحرية التعبير من جهة أخرى، يخلق مناخًا من الخوف ويضعف ثقة الضحايا في اللجوء للعدالة إذ يتزامن هذا مع توسّع أدوات الإساءة الرقمية المدعومة بالذكاء الاصطناعي مثل “الديب فايك” غيرها، ما يجعل العنف أسرع انتشارًا وأكثر تعقيدًا.
في المقابل، يتحمّل المجتمع المدني التونسي دورًا محوريًا بما في ذلك رصد الانتهاكات، دعم الضحايا، توعية النساء والفتيات، وأيضا المرافعة من أجل إدراج العنف الرقمي ضمن التشريعات الوطنية. جمعيات مثل أصوات نساء ومراكز توثيق مثل “ناجية”، بالإضافة إلى منظمات حقوقية ووسائل إعلام مستقلة تعمل باستمرار على كشف حجم الظاهرة وتقديم خدمات قانونية ونفسية وتدريبات حول السلامة الرقمية، رغم البيئة الصعبة التي تشهد ضغوطًا على حرية العمل المدني.
اليوم، ومع انطلاق حملة 16 يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة والتي يُسلَّط فيها الضوء عالميًا ومحليا على العنف الرقمي، تصبح الحاجة ملحّة لاعتماد مقاربة تشاركية تضمن حماية النساء والفتيات في الفضاء الرقمي فالمطلوب هو إطار قانوني واضح يجرّم كل أشكال العنف الميسّر بالتكنولوجيا، آليات بلاغ ودعم حسّاسة للنوع الاجتماعي، برامج توعوية شاملة، ومساءلة جدية للمنصّات التكنولوجية التي يجب أن تتحمّل مسؤوليتها في إزالة المحتوى المسيء والاستجابة السريعة للشكاوى.
إن العنف الرقمي ليس “إزعاجًا إلكترونيًا” بل هو اعتداء على الحقوق والحريات، يُضعِف ويُعرقِل المشاركة المدنية ويُقصي النساء من الفضاء العام في تونس يحتاج هذا الملف إلى إرادة سياسية وتشريعية كما يحتاج أيضا إلى تضامن مجتمعي واسع يعترف بأن ما يحدث على الشاشة لا يبقى على الشاشة.
ولأن مواجهة العنف الرقمي مسؤولية مشتركة، فإن نشر الوعي، ودعم المبادرات التي تعمل على حماية النساء هي خطوات أساسية لبناء فضاء رقمي أكثر أمانًا وإنصافًا للجميع
Voila ce que les autres utilisateurs ont pensé de cet article