تعمل منظمات المجتمع المدني تحت أطر مختلفة، بهدف الاستجابة لأزمة طارئة في المجتمع المحلي أو بالتدخل في مجال التنمية المستدامة ودفع العملية التنموية في البلاد، مما اكسبها مكانة وقوة، ومكنها من التأثير على عملية صنع القرار ووضع السياسات في القضايا التي تشغل المواطنين.
واعتمدت في ذلك أساليب ووسائل عمل متنوعة لإحداث تغيير مجتمعي شامل يجيب على كافة التطلعات والأسئلة المجتمعية المطروحة. فقامت بإرساء آليات التمكين المعرفي ورفع الوعي المجتمعي وركزت أساليب تنظيمية لـترتيب مجال عملها وابتدعت أدوات خاصة بها صارت جزءاً ثابتاً ومهماً من قاموس المجتمع المدني كـالمناصرة advocacy، التشبيك networking والتخطيط الاستراتيجي strategic planning
وتحرص منظمات المجتمع المدني ذات الأهداف السامية والإنسانية على ضرورة إتقان وتجويد توظيف هذه الوسائل والأدوات بـكفاءة وفاعلية عالية باتباع الأدلة والإرشادات التدريبية اللازمة وعدم استخدامها بـسطحية واستخفاف بهدف تحقيق الأهداف والمبادئ الإنسانية المنشودة والنبيلة.
مفهوم المناصرة
تعرَّف المناصرة في مفهومها المطلق بـأنها عملية منظمة تُعنى بالدفاع عن شخص أو قضية ما والدفاع نيابة عن صاحب القضية لاسترجاع حقه المسلوب والرفع من مستواه المعيشي وإيجاد العدالة الاجتماعية والمساواة له ولغيره في منطقة معينة تعاني نفس المشاكل.
وتعرَّف المناصرة في السياسة والتنمية ومجال المجتمع المدني ب: كسب التأييد والحشد لقضية سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية معينة بـهدف إحداث تغيير مجتمعي جزئي يصب في عملية التغيير المجتمعي الكلي.
فالمناصرة إذا، تسعى إلى بلورة مطالب محددة وحشد التأييد حولها والدفاع عن حقوق فئة خاصة من الناس أو المجتمع ككل في قضايا بعينها مثل المرأة، والبيئة، والفساد وغيرها بهدف التأثير على صانع القرار وإلزامه بوجوب تشريك المواطن وجميع مكونات المجتمع في عملية صنع واتخاذ القرار.
كما تبحث عبر تقديم الأدلة والحجج عن احداث تغيير في السياسات أو الممارسات أو المواقف ومحاولة اقناع الجهات التي تمتلك قدرة على صنع القرار باتخاذ إجراءات موحدة سواء لتطوير هذه البرامج أو لإلغائها.
المناصرة في المجتمع المدني
وفي هذا المعنى استعملت عدة مصطلحات للإشارة إلى مفهوم المناصرة وهي تخدم نفس الغرض كمصطلح الدفاع، الدعوة، المؤازرة، المساندة، كسب التأييد…
ويعتبر مفهوم المناصرة مفهوم حديث نسبيا بالنسبة لغالبية المؤسسات والمنظمات غير الحكومية لذلك وجب تعريف كل المفاهيم المرتبطة به وتمكين العاملين فيه باكتساب المعارف والمهارات والسلوكيات التي تمكنهم من كسب التأييد وصياغة السياسات بشكل صحيح وفق أسس سليمة وتنمية قدرات المؤسسات الأهلية بهدف تنفيذ حملات مناصرة بكفاءة عالية.
وبالرغم من استخدام كافة منظمات المجتمع المدني والجمعيات والنشطاء المجتمعيين للأدوات الرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي لتنفيذ خططها الاستراتيجية والتعريف بأنشطتها، إلا أن ذلك غير كاف ووجب استخدام أدوات للتنظيم والتخطيط وحملات مكتملة الأركان لنشر الرسائل ودعم القضايا الهامة وبناء مجتمع مؤيد وداعم لها.
هذه الحملات تتضمن أنشطة وفعاليات عديدة، غايتها سامية، لا تبرر استخدام سلوك غير أخلاقي لتحقيقها. فالإنجازات لا تقاس فقط بالوصول إلى الأهداف، وإنما أيضاً بالكيفية التي تم بها الوصول إلى الأهداف من حيث كونها تعكس المصداقية، والأصالة، والصدق، ومصالح الأعضاء المشاركين.
من هنا أصبحت الحملات الإعلاميّة أو ما يسمى بحملات الحشد الشعبي أو المناصرة الالكترونيّة أداة لازمة لجذب أكبر عددٍ من الجماهير حول موضوع ما، وتعددت الخطابات، وتنوعت مضامينها واتخذت الحملات أشكال مختلفة، منها التوعويّة، الدعائيّة، التعديلية للسلوك المجتمعي والكثير من الأنواع الأخرى.
فالوسائل المؤثرة التي تتجاوب مع الظروف المحيطة ومحاولات الإقناع والتفاوض وعمليات الضغط التي تسمح بها النظم الديمقراطية تخُضع صناع القرار للاستعداد للموافقة على المبادرات أو لتبنيها وتحويل حالة اللامبالاة إلى حالة من الاهتمام لحل أو تأييد القضايا المطروحة.
من هذا المنطلق، تتطلب المناصرة الفعّالة أن تكون عملية اتخاذ القرارات تشاركية، شفافة وذات مصداقية عالية، وتكون بين الأفراد ذوي المبادئ والمدافعين عن قضية ما من جهة وبين المنظمات الإنسانية والحقوقية من جهة أخرى من أجل إحداث تغيير مجتمعي هيكلي وتعديل أو إصلاح السياسات القائمة التي تؤثر على حياة المواطن.
أهداف المناصرة
هدف المناصرة الأساسي هو الدفاع عن قضية ما بفعالية، ومحاولة الضغط وحشد أكبر عدد من الأفراد المساندين والمؤيدين للالتفاف حولها ودعمها. وهي تنقسم إلى أهداف قريبة وبعيدة المدى حسب إمكانية وقدرة تنفيذها.
ومن أهم أهداف المناصرة نذكر بالأساس، مساندة أصحاب القضايا ذات الأولوية والتي لها تأثير مباشر على المواطنين لإيصال قضاياهم للجهات المعنية والتوصل لحلها. كما تسعى إلى تعزيز وتطوير البرامج أو تغيير السياسات والتشريعات المختصة سواء بالشأن المجتمعي أو السياسي أو الاقتصادي. وتهدف أيضا إلى إعادة هيكلة المنظمات داخليا وخارجيا لتقييم أولوياتها ولتحديد مجالات العمل التي تبتغي التأثير بها وطنيا وعالميا.
إجراءات المناصرة وصياغة السياسات
إلا أن طرق إعداد الحملات وكيفية تنفيذها ينعكس جليا على نتائجها، لذلك تم اتباع خطة عملية لحملة المناصرة. وتبدأ كل حملة بناءً على هدفٍ ما، أو تسليط الضوء إعلامياً على قضية تشغل الرأي العام. ثم بعد ذلك يتم تحديد الفئات المستهدفة وربط علاقات مباشرة للتواصل الفعلي معهم، ولتقريب وجهات النظر ورفع الوعي للقضايا المطروحة وللعمل معا وبشكل منسق لتحقيق الهدف المرجو.
وعند تحقيق المساندة والتأييد والالتفاف حول موضوع الحملة والتأكد من تفاعل الجمهور وانتقاله من مرحلة المتلقّي إلى مرحلة المشارك تبدأ مرحلة جديدة من الحملة بحيث يتم توجيه الخطابات والرسائل المباشرة أو الغير مباشرة في شكل مواد بصريّة ومكتوبة إلى الجهات الإعلاميّة الأخرى لمزيد نشر هذه الحملة وإلى بقية الجهات والأشخاص لمزيد بناء التحالفات أو الائتلافات.
وبتطوير رؤية مشتركة وتحديد قائمة الجهات المانحة والمؤسسات الشريكة، تنطلق الحملة ويتم حشد النشطاء والمشاهير المقتنعون بالفكرة لمزيد المساندة والمناصرة بصفة تطوعية وخاصة إذا كان الأمر يتعلق بحملة إنسانيّة.
وتوضع الاستراتيجيات المختلفة منها القانونية، البحثية، السياسية، التفاوضية والإعلامية ويتم مراجعة أساليب تنفيذها وتقييم نتائجها قصيرة وبعيدة المدى.
ومع التقييم النهائي لهذه الحملات يتم تحديد مدى فعالية خطّة المناصرة خلال المدّة الزمنيّة المحددة الكفيلة بإحداث التغييرات المرغوبة مما يساعد في إعداد الخطط المستقبليّة للحملات التالية.
التحديات والمخاطر
في مجال المناصرة، يمكن التقليل من عنصر المخاطرة بالعمل المشترك والتحالف مع الآخرين بهدف جذب الحشد اللازم لتغيير السياسات القائمة والتأثير بفعالية بخصوص قضية ما.
وقد يلزم في بعض الأحيان اعتماد خطاب قوي اللهجة لاتخاذ موقفا حاسما، مع تنظيم جملة من الاحتجاجات والاعتصامات والمسيرات المنتقدة لسياسة معينة، هذا ما يتسبب في عقوبات رادعة للمدافعين عن حملة المناصرة كالسجن أو الطرد أو النفي.
وبالمقابل، عندما يتبع الراعون للحملة سياسات الصمت والخوف من الآخر وذلك لافتقادهم الآليات والأساليب الضرورية لتنفيذ مبادرتهم أو لضعف في التخطيط والتنظيم أو لعدم توافر المهارات والقدرات الكفيلة بالتسيير والإقناع، فإن حملة المناصرة تفقد مصداقيتها وينفض الحلفاء والأعضاء الممولون من حولها وتفشل بذلك استراتيجيتها كليا.
إن المخاطرة بإنشاء حملة مناصرة سيئة الإخراج تتسبب في الإساءة لسمعة المنظمات الراعية للحملة، وتضر بالعلاقات القائمة مع الأطراف الفاعلة، أو مع الشركاء، أو مع الحكومات. كما تسيء لمصداقية المنظمات وهويتهم المجتمعية وتظهرهم بمظهر الادعاء والتجنّي وعدم الكفاءة.
إن تحقيق النجاح الكلي لعملية المناصرة هو نتاج لعوامل موضوعية دقيقة لا تفسح للخطء مجالا. فبهدف تحقيق التغيير المنشود أو نصرة قضية حارقة، يجب أن تحدد المنظمات مسبقاً مدى احتياجها لعملية المناصرة باعتبارها الوسيلة المثلى التي تمكنها من وضع الأفكار وفتح المجال لابتكار طرق وأساليب جديدة في التواصل وتمكنها من رسم السياسات والاستراتيجيات البناءة لكسب التأييد ولربط علاقات التعاون والعمل المشترك. كما تسمح لها بامتلاك القدرات والأدوات الضرورية لتعديل ومعالجة الانحرافات في مسار حملات المناصرة وتقييم الخطط المعتمدة وطرق العمل أثناء التنفيذ وذلك لاستخلاص الدروس التي يمكن ادخارها للاستفادة منها في انتاج حملات مستقبلية ناجحة.
هكذا قيّم مستعملون آخرون المقال