“ليست المياه للحياة فقط… المياه هي الحياة. المياه هي الصحة. المياه هي الكرامة. المياه هي حق من حقوق الإنسان. وما من شيء أكثر أهمية من المياه لوجودنا.” – بان كيمون الامين العام للامم المتحدة
يمثل فقدان المياه او نقصانها أحد اكبر التحديات التي تعيشها المنطقة العربية على وجه الخصوص وهو ما نعبر عنه بشكل أكثر دقة بالفقر المائي او شح المياه والذي بدوره تغير مفهومه حيث استخدم حتى تسعينات القرن الماضي للتعبير عن توفر إمدادات مياه كافية لتلبية متطلبات سكان بلد معين ليتحول الى الأمن المائي للفرد.
و بالرجوع إلى عديد المؤشرات الدولية و الوطنية، تصنف تونس من الدول التي تعاني من الفقر المائي. فعلى الرغم من أهمية الجهود المعتمدة لمواجهة هذا الإشكال منذ عقود عبر سياسات مائية تمت بلورتها و تنفيذها، الا ان هذا لم يردع الفقر المائي الذي بدأت بوادره بالظهور في السنوات القليلة الماضية.
إمكانيات تونس المائية
تقدر الإمكانيات المائية المتاحة في تونس بحوالي 4,865 مليار متر مكعب سنويا وتتوزع بين المياه السطحية و الجوفية و التساقطات المطرية. و أمام ضعف الكمية المتاحة و تزايد الطلب الفلاحي و الصناعي و السياحي والخدماتي عموما فإن نصيب الفرد من الماء في تراجع مستمر إذ يقدر حاليا ب400 متر مكعب سنويا مرشحة للنقصان في السنوات القادمة إلى 350 متر مكعب سنويا وهو أقل بنسبة 50% من الكمية المطلوبة للفرد وفقا للمعايير الدولية و المقدرة بين 750 و 900 متر مكعب سنويا حسب تقرير التقييم المواطني للماء في تونس لجمعيّة نوماد 08.
كما أن نسبة التساقطات التي تراجعت أثرت على امتلاء السدود و التي بلغت في سبتمبر 2020 حوالي 40% فقط حسب تصريحات وزارة الفلاحة. مما يعني أن مخزون السدود شهد تراجعا ملحوظا مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية .
كل هذه المؤشرات تعني وجود تونس تحت خط الفقر المائي و المحدد عالميا ب500 متر مكعب سنويا و هو ما يعني عجز الدولة على توفير المياه العذبة في كل الجهات و لكل المواطنين و المنتفعين في كل القطاعات الاقتصادية و الفلاحية و الخدماتية .
أسباب تراجع مخزون المياه في تونس
إن الأسباب الأساسية التي جعلت تونس تحت خط الفقر المائي متعددة رغم تشابهها في باقي الدول العربية التي تعاني نفس الازمة و هي بالأساس : المناخ و الكثافة السكانية و سوء التصرف في الموارد المائية و السياسات المائية غير الملائمة للوضع.
أثرت التغيرات المناخية بشكل كبير على الموارد المائية و ذلك بارتفاع درجات الحرارة خاصة في الجنوب التونسي و ساهمت بشكل كبير في تبخر المياه. كما ساهم الاحتباس الحراري بشكل أكبر في خفض نسبة التساقطات السنوية للأمطار ما جعل سنوات الجفاف تتوالى وهو ما زاد في انخفاض المياه السطحية و في مستوى امتلاء السدود و البحيرات الجبلية .
إن ازدياد عدد السكان أو التضخم السكاني في عديد المناطق في تونس أدى الى تزايد طلب استهلاك المياه وهو ما سيزيد العبئ على الموارد المائية المتاحة و المتسمة بالشح.
بالإضافة إلى هذا، الفساد و سوء التصرف في الموارد المائية من قبل المصالح المختصة ساهم بشكل كبير في تعميق أزمة الفقر المائي. ويرجع هذا أساسا للمؤسسات العمومية الموصومة بعديد الاخلالات وأهمها البيروقراطية و مركزية صنع القرار الذي فتح الباب أمام الفساد وسوء التخطيط و البرمجة و الإهمال و جعلها غير قادرة على التصرف بشكل رشيد في الموارد المائية ما أساء الى جودة المياه و طريقة ايصاله للمواطن.
كذلك فان الاصلاحات البطيئة و غير الجوهرية لا تتماشى مع تسارع التغيرات المناخية و تفاقم مشكلة الاحتباس الحراري وأثرها على مصادر المياه.
لم تضع الدولة التونسية برنامجا استراتيجيا مواكبا للتغيرات المناخية و للفقر المائي الحالي وما زالت تعمل بنفس نسق السنوات الماضية دون تجديد او تغيير في سياساتها خاصة في سياسة صنع القرار و هذا ما سيعمق أزمة المياه الحالية أكثر لتتواصل مع الأجيال القادمة.
إهدار المياه في القطاع الفلاحي يعد عاملا من عوامل الفقر المائي خاصة مع نظم الري المعتمدة سواء في زراعة الخضار أو في نظام الري في الواحات و الذي لم يتغير من القدم وهو ما تسبب في إهدار كميات هامة من المياه و الذي له أضرار كبيرة حتى على النخيل مع مرور الزمن…
أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة حق الإنسان في الحصول على كفايته من المياه وأن تكون متاحة في كل زمان و مكان و هذا ما أكده الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة و الدستور التونسي كحق أساسي للمواطن .
لكن بين سوء توزيع و سوء رقابة لجودة المياه و جفاف متواصل لمدة سنوات نتوقع تفاقم الوضع الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي و كل المجالات المحيطة بحياة الإنسان.
هكذا قيّم مستعملون آخرون المقال
رائع جدّا 0 %
مقنع 0 %
طريف 0 %
مفيد 0 %
ملهم 0 %
عديم الجدوى 0 %