ان قضايا البلاستيك و النفايات ليست الا شوطا من معركة طويلة كانت بين صد و رد بين الناشطين البيئيين و الشركات التجارية و زاد في حدتها عدم وضوح سياسات الدولة وغياب رقابتها .
يعتبر الحق في البيئة السليمة حقا من حقوق الانسان لاتصاله المباشر مع العديد من الحقوق الاساسية بما فيها الحق في الحياة و الغذاء و الصحة و مستوى عيش لائق، كما تمت دسترة هذا الحق بتونس سنة 2014 ما زاد في قيمته القانونية .
يتساءل الشباب اليوم رغم القيمة القانونية للحق في البيئة السليمة في تونس و واقع شوارعها المغطى بالفضلات و البلاستيك والتلوث بكل أصنافه، تونس إلى أين ؟
بعد أزمات التلوث التي عشناها في الماضي و نضالات العديد من الشباب سواء في قابس او صفاقس و غيرها من المدن التونسية التي تعاني من التلوث أو من التغيرات المناخية ما تزال سياسات الدولة في التخبط بين قرارات لم يتم تنفيذها و قرارات غير صديقة للبيئة و قضاء يبت في كل منهما .
رغم التمشي الذي قامت به وزارة البيئة منذ 2015 حيث أعلنت عن سياسة جديدة تحد من استيراد الأكياس البلاستيكية غير القابلة للتحلل وصولا إلى منعها بهدف حماية البيئة و التنوع البيولوجي والحد من التلوث بشكل عام و ذلك عبر تطبيقه تدريجيا لعدم الإضرار بصانعي البلاستيك و مورديه .
في هذا الوقت الذي تستعد فيه تونس لحظر استعمال البلاستيك بداية من السنة القادمة بهدف التوقي من مخاطر التلوث و حماية البيئة فوجئنا بقرار السلطات التونسية بالسماح باستخدام الأكياس البلاستيكية في نقل الاسمنت ما يدل على عدم تناسق مع سياسات الحكومة السابقة و ارتباك في القرارات وإدارة أزمات البلاد .
كما أن هذا القرار يعتبر انتكاسة لكل الجهود البيئية التي قام بها الناشطون و رجوعا الى الوراء و تهاونا مع القضايا البيئية و جعلها آخر سلم الأولويات، ما وضعه أمام القضاء محل طعن ذلك لتشريعه للتلوث و لتعارضه مع نصوص تشريعية سابقة له و لمخالفته بشكل خاص للدستور ما جعله محل إلغاء .
بعد قرار السماح باستخدام الأكياس البلاستيكية في نقل الاسمنت صدمنا بقضية توريد النفايات الايطالية و التي تحولت الى قضية رأي عام حيث تصدرت عناوين الصحف و وسائل التواصل الاجتماعي وأثارت جدلا واسعا لدى الناشطين المدافعين على البيئة .
و ذلك بعد أن أقدمت شركة تونسية مختصة في تدوير البلاستيك باستيراد أطنان من النفايات الإيطالية بهدف تدويرها و إعادة تصديرها و التي تبين فيما بعد تصنفها كنفايات منزلية غير قابلة للتدوير و بالتالي فإن القانون يمنع توريدها، مما يعني مخالفتها للقوانين التونسية و الاتفاقيات الدولية.
إن قضية استيراد النفايات الايطالية ليست الأولى من نوعها بإفريقيا و شمال إفريقيا على وجه الخصوص و أهمها مصر و المغرب ، فقد ارتفع حجم استقبال مصر للنفايات الأوروبية بنسب ضخمة وصلت إلى أكثر من 225% عن عام 2004 حيث استوردت عام 2018 حوالي 1,7 مليون طن , أما المغرب فقد استقبل أكثر من نصف مليون طن من النفايات سنة 2018 أما سنة 2016 استقبلت المغرب شحنة نفايات ايطالية لأجل حرقها في مصانع الاسمنت و هو الذي مثل قضية رأي عام مغربية و كان محل تحقيق أمام لجنة تقصي الحقائق في الغرفة الثانية في البرلمان المغربي و الذي أكد بدوره استيراد المغرب نفايات بلاستيكية و بقايا عجلات مطاطية.
ليكون شمال إفريقيا وجهة سهلة لتوريد النفايات الأوروبية رغم ضعف قدرة الدول النامية على المراقبة ليبقى من الصعب التحكم في مرور المواد السامة , كذلك فان التخلص من المواد البلاستيكية الغير قابلة للتدوير بحرقها يؤدي إلى الانبعاثات السامة و الزيادة في ثاني أكسيد الكربون وتزداد معه المخاوف أن تستخدم إفريقيا كمكب لنفايات الشمال.
ورغم مصادقة تونس على العديد من المعاهدات و الاتفاقيات الدولية من بينها اتفاقية بازل و هي معاهدة دولية تم إقرارها للحد من تحركات النفايات الخطرة بين الدول و التي صادقت عليها تونس سنة 1996 و اتفاقية ماربول و اتفاقية باماكو و الاتفاقية الثنائية مع إيطاليا واتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي و التي تضع قواعد تعاون في مجال الصحة و البيئة فإننا نجد العديد من الاخلالات التي تساهم في وتيرة التلوث و تفاقم المشاكل البيئية و المناخية.
رغم القوانين و الدستور و المعاهدات الدولية التي تعنى بالبيئة والمناخ إلا أننا نتفاجأ كل حين بعديد الخرقات الصادمة التي تضر بشكل مباشر بالبيئة و تضع كل هذه التشريعات عرض الحائط.
هكذا قيّم مستعملون آخرون المقال