في ضوء اتساع رقعة انتشار جائحة كورونا، أعربت المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب في تقرير إرشادي نشرته تحت عنوان “جائحة كوفيد- 19 والاحتجاز” عن قلقها الشديد إزاء وضع السجناء والمحتجزين وكل من تم حرمه من حريته.
تمكنت جائحة كورونا من كشف النقاب على بعض نقاط الضعف التي تخترق الكثير من الأنظمة الوطنية الصحية. و على الرغم من تسجيل عدد كبير من حالات الشفاء، إلا أن الأوضاع مازالت غير مستقرة في دول عدة حول العالم.
هذا الخطر يزداد سوءا بصفة خاصة في أماكن الحرمان من الحرية مثل السجون ومراكز الاحتجاز. ففي أغلب الأحيان، تفتقر هذه المنشـآت للمعايير الأساسية للنظافة والعناية الصحية، الأمر الــذي يجعل السجناء والمحتجزين محرومين من تلقي الرعاية الضرورية واكثر عرضة لخطر الإصابة بالمرض. بالإضافة إلى ذلك، غالباً ما تكون هذه الأماكن مكتظة، ما يجعل من المستحيل تطبيق الإجراءات التي أوصت بها السلطات الصحيـة العموميـة المعنية و خاصة في ظل مـا يقتضيـه هـذا الوضـع من تباعد جسدي وعزل ذاتي.
تكفل المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الحق لكل إنسان في “التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه” وتلزم الدول الأطراف في هذا العهد على اتخاذ التدابير اللازمة للوقاية من “الأمراض الوبائية والمتوطنة والمهنية والأمراض الأخرى وعلاجها ومكافحتها”.
أما بشأن الأفراد المحتجزين والسجناء، فإنه يتعين على الدولة حاليا أكثر من أي وقت مضى، توفير الحماية لهم أثناء الاحتجاز.كما ينبغي أن يحصل المحتجزون على نفس معايير العناية الصحية المتاحة في المجتمع بحسب ما تنص عليه قواعد مانديلا (المعروفة باسم قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء).
اتساقا مع ما سبق، أعربت المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب في تقرير إرشادي نشرته تحت عنوان “جائحة كوفيد- 19 والاحتجاز” عن قلقها الشديد إزاء وضع السجناء والمحتجزين وكل من حُرم من حريته ودعت إلى ضرورة التدخل “بأسرع وقــت ممكــن” للتصدي لتهديدات الجائحة محذرة من “تداعيات فتاكة ولا يمكن السيطرة عليها” لدى موظفي ونزلاء السجون والطاقم الطبي.
يلفت التقرير النظر إلى عديد النقاط المهمة والتي تحتاج المزيد من التمعن مثل التحديات التي يواجهها السجناء والمحتجزين فــي ضل مـا يقتضيـه هـذا الوضـع. كما يسلط الضوء على جهود المناصرة والإجراءات القانونية وغيرها من أشكال الدعـم لتأمين الحماية للأفراد المحرومين من حريتهم داخل المنشآت السجنية والمرافق المغلقة الأخرى.
ويتضمن التقرير أيضا مجموعة من التوصيات ويطالب السلطات والاطراف المسؤولة بضرورة إعادة النظر في عديد من المسائل المتعلقة بحقوق الإنسـان داخـل محيط تصفه المنظمة بالحساس والهش.
وتحث المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب على المبادرة إلى العمل والتدخل المبكر لحل مشـاكل السجون ومراكز الاحتجاز خلال هـذه الأزمـة مشيرة إلى أن هذا هـو “الوقـت الملائم لإدخال التغييرات”.
من جملـة الاجـراءات المقترحة، دعت المنظمة إلى التقليـص فـي عـدد المحتجزيـن، الأمر الذي اعتبرته “غيـر قابـل للمقايضة”. وتشمل اللائحة فئة معينة من السجناء على غرار المرضى والمسنين، الأطفال والقصر، السجينات الحوامل، النشطاء الحقوقيين والمناضليــن مــن أجـل حقـوق الإنسـان والصحافيين والسجناء السياسيين والمعارضين والمحتجزين بسـبب معتقداتهـم الدينيـة أو على أسـاس ميولاتهم الجنسـية. مع هذه الدعوة، أوضح التقرير أن من الضروري إتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للتصدي لكل المحاولات الداعيـة إلـى إطـلاق السراح المبكـر للنزلاء الذين تمت إدانتهم بسـبب “الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية أو التعذيـب أو جرائـم العنـف المنزلـي والإغتصاب الجنسـي”.
كما تطالب المنظمة بضرورة إتباع المعايير القانونيـة في تطبيق النفاذ المحدود إلـى منشآت الاحتجاز خلال هذه الفترة مع اتخاذ التدابير اللازمة للحـد مـن التداعيـات التـي قد تخلفها هذه الإجراءات. نتيجة لهذا، يجب توخي درجة كافية من الليونة والشفافية، تأمين الإحاطة الاجتماعية والدعم النفسي، اعتماد إجراءات التكيف وتوفير آليات للتواصل الإلكتروني مع العالم الخارجي واللقاءات عن بعد.
يتطرق التقرير كذلك إلى التغييرات التي يخضع لها سير القضاء أثناء حالات الطوارئ. وبالتالي، تشدد المنظمة على ضرورة تزويد السجون بالأدوات اللازمة للحفاظ على حرية النفاذ إلى المعلومة و تسهيل التعامل مع هياكل الإستشارة القانونية مع ضمان “السرية”. كما تدعو المنظمات الحقوقية إلى بذل جهود إضافية لمنع حدوث انتهاكات أخرى لحقوق الإنسان.
ووفقا للتقرير، من الضروري أيضا توفير آليات مراقبة فاعلة أثناء الاحتجاز وتشريك منظمات المجتمع المدني في “ابتكار طـرق أخـرى لرصد الخروقات وتقبل المعلومة وتبادلها ومراجعة الأخبار المروجة عـن انتهـاك حقـوق الإنسان، بمـا فـي ذلـك غيـر شـبكة الأنترنيت وتكنولوجيـا المعلومـات أو مـن خلال شبكـة علاقات متواجـدة بأماكـن مجـاورة أو فـي مناطـق معينـة فـي البلاد”.
ولأن “المسـاواة فـي التمتع بمرافق العناية الصحية” يجب أن يكون المعيار الأساسي في التعامل مع كافة السجناء والمحتجزين في إطار يعاني أساسا من نقص الموارد، من المهم أن يتولى المجتمع المدني مسؤولية القيام بحملات المناصرة لتوفير مزيد من الدعم.
و تضيف المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب في نهاية التقرير أنها تلقت في الفترة الأخيرة عددا متزايدا من التقاريـر حـول الانتهاكات بسبب خرق قوانين الحجر الصحي، الشيء الذي يعكس وجود نقص في مستوى الوعي العام بحقوق الإنسان وانعدام الرقابة والإشراف وقد تشير إلى “سياسة مقصودة لزرع الرعب والترهيب بهدف منع أشخاص من مغادرة بيوتهم، مع استهداف بعض الأماكن أو المناطق المجاورة أو المجتمعات المحلية أحيانا”.
هذا وأكدت من جهتها على ضرورة اتخاذ إجراءات سريعة لمراقبة هذه الإنتهاكات ووضع استراتيجيات مناصرة فعالة كما تقترح النظر في أحكام بديلة التي من شأنها التقليص من عدد النزلاء في السجون.
للمزيد من التفاصيل، ندعوكم إلى الإطلاع على النسخة الكاملة للتقريرمن خلال هذا الرابط.
هكذا قيّم مستعملون آخرون المقال