تَزخرُ مُجتمعاتنا بالطّاقات الشابّة التي من شانِها خَلقُ فضاء للتّواصل البَنّاء بين مُكونات المُجتمع الواحد حتى تَعمل بطريقة مُنظّمة تَجعل تأثيرها على المُستوى الاجتماعي والاقتصادي ناجِعًا. ومن هنا بَدأت بعض المُسمّيات في البُروز لعل أهمّها مصطلح المُجتمَع المدنيّ. فماهو تعريف المُجتمَع المدنيّ، كيف نَشأ، وماهي أهم مُكوّناته وكيف أمكن له أن يُساهم في بِناء مجتمع واعٍ ومُتضامنٍ؟
تَعريف المُجتمَع المدنيّ :
يُعرَّف المُجتمَع المدنيّ « la société civile » بأنّه مجموع المُنظَّمات غير الربحيّة، وغير الحكوميّة المُستقِلّة تماماً عن السُّلطة السّياسية والتي تَمّ تأسيسها على يَد أفراد أو جماعات مُهتمة بالطّابع الإنسانيّ، وهي تشمل في مُجملها مجموعة المُنظَّمات الخيريّة، النقابات العُمّالية، النقابات المهنِيّة، مُؤسسات العمل الخيري، المُنظَّمات الخاصّة بحقوق الإنسان، النّوادي الرّياضية، جماعات الرّفق بالحيوان، والجماعات المُكوَّنة من السكّان المَحليّين…
وبصفة أشْمَل يُمكن تعريف المُجتمَع المدنيّ بأنه إجماليّ التّنظيمات والمُؤسّسات ذات الطّابع الاجتماعيّ والتّطوعي التي تَملأ المجال العام بين الفَرد من جِهة والدّولة من جهة أُخرى.
يُعرَف كذلك مُصطلَح المُجتمَع المدنيّ بأسماء مختلفة أخرى لها نفس الدّلالة المَعنويّة، منها: المُجتمَع الأهليّ، المُنظَّمات التطوُّعية، القطاع المُستقِلّ، القطاع الثَّالث.
نشأة مصطلح المُجتمَع المدنيّ :
تَمَّ استخدام مُصطلَح المجتمَع المدنيّ في فترات مُختلفة إلا أنه عَاد إلى الظُّهور بمفهومه الجَديد في القرنَين: السابع عشر، والثامن عشر ميلادي على يَدِ عدد من العلماء والباحِثين المُتخصِّصين في عِلم الاجتماع مثل : توماس هوبز، مونتيسكيو، سبينوزا، هيغل، وروسو…
وبَعْد فترة السَّبعينيّات من القرن العشرين، انتشرت مُؤلَّفات عالَمِ الاجتِماع » أنطونيو غرامشي «في المجتمَع العربيّ وبَدأ مفهوم المُجتمَع المدنيّ باختِراق الثَّقافة العربيَّة وسَاهم في إكسابِها طابع اجتماعيّ توعويّ يَقومُ على الأعمال التَّضامنيَّة والخيريَّة.
مُكونات المُجتمَع المدنيّ وأهدافُه :
تَسعى مُكوِّنات المُجتمع المدني لتَحقيق أهداف مُختلفة كُلٌّ حَسَبِ مَجال نشاطه ومُعتمِدة في ذلك على أُسُس خيريّة، أخلاقيّة، دينيّة، وثقافيّة.
لذلك يُعنى كل مُكوِّن من مكونات المُجتمع المدني بنَشر الوعي بقضايا المُجتمع، بالسَّعي لتنمِيتِه، بترسيخ قِيَم المُواطنة والتَّماسك بين أفراد المُجتمع الواحد، بالمُساهمة الفعّالة في تحقيق العدالة الاجتماعيّة، بتَشريك المُواطن في تحديد مشاكل المجتمع وإيجاد الحُلول المناسبة لها. كما يَسعى كلّ مُكوَّن لِخلق حَلقة من التّواصل الفعّال بين أفراد المُجتمع وتشريكه في تنظيم فعاليّات ثقافيّة وتشجيعه على مُمارسة أنشطة مُختلفة تساهم في إبْراز مَواهبه وطاقاته البشرية اللاَّمحدودة وتقديمها في شكل مُتفرِّد.
تَضطَلع مُنظّمات المُجتمَع المدنيّ بِدور هام في أي نِظام ديمقراطيّ نظرا لاستقلالِها عن الحُكومة والقطاع الخاص وهي تعمَل بَعيدا عن التّجاذُبات السّياسية لنُصرة قضيّة أساسيّة ألا وهي: زيادةُ الوَعي لدى الأفراد ودَعمِهم من أجل تنظيم مُشاركتهم في الحياة العامّة. فهي تتيح لهم التَّمكُّن من الخِيارات والمَنافع العامَّة ومُمارسة حُرياتهم في إطار قانونِي يساعد على رِعاية مَصالحهم، توجُّهاتهم، وحقوقِهم دون المَساس بالقواعِد والضَّوابط العامّة.
كما تُساهم الجمعيّات الخيريّة والتعاوُنيّات من خلال الأعمال الخيريّة والتطوّعية التي تُنظمُها في نَشأة علاقات إنسانيّة بين أفراد المُجتمع الواحد وفي اكتِساب دَعم وتأيِيد المُجتمعات المَدنية الأخرى للإنجازات المُقدَّمَة على المُستوى الاجتماعيّ والاقتصاديّ.
مِن هنا تكمُن أهميَّة المجتمع المدني وتَبرُز مدى الإضافة النوعيّة التي يُحدثها كل مُكوِّن من مكوناته، فهو عبارة عن أسرة كبيرة تَنمو بِمقدار استعداد مُجملِ أفرادها على العَطاء بدون مُقابل لإفادة المَجموعة.
هكذا قيّم مستعملون آخرون المقال
[…] الوضع الراهن على الدولة تشريك منظمات المُجتمع المدني لأهمية دورها والذي يتمحور في هذا السياق العالمي و […]