مداخلة السيد رشيد الطوزي رئيس وحدة المالية المحلية بوزارة المالية
قراءة في الوضع المالي الحالي للجماعات المحلية وافاق تطـويره
تشهد اللامركزية خلال العشريات الأخيرة ،تقدما متفاوت الأهمية من بلد إلى بلد في مجال المالية المحلية ولقد تبيّنأن التجارب الممارسة بالبلدان النامية تجابه اليوم عدة صعوبات على مستوى ضعف نمو أنظمة التمويل وقدرات التصرف للجماعات المحلية .
وفي تونس، فإن وضعية اللامركزية تمر منذ عدة سنوات بصعوبات هيكلية تعود أساسا إلى محدودية الموارد المالية للجماعات المحلية الذاتية منها والمحالة لها من الدولة حيث تبرز النتائج المالية المسجلة خلال العشرية المنقضية 2001-2010 تعميق الاختلال المالي لهذه الهياكل نتيجة عدم التكافؤ بين الإمكانيات المالية الحقيقية المتوفرة وتنامي التكاليف المنجرة لها أساسا من أعباء التأجير و تنظيف المدن واستهلاك المحروقات وصيانة المعدات والتجهيزات والشبكات وترجيع القروض لتبلغ المديونية في نهاية سنة 2011 قرابة 150م. و تتقلص معها قدرات البلديات على توفير الادخار اللازم لتمويل مشاريعها.
ولقد كان للتغيّرات السياسية بعد أحداث ثورة جانفي 2011اثر عميق على أنشطة الجماعات المحلية طال تجلت معه هشاشة الجماعات المحلية بما أسفر عن اختلال توازنها المالي نتيجة عدم قدرتها على جباية وتعبئة مواردها المالية وحفظ ممتلكاتها واستغلال مرافقها .
وبالرغم من أهمية الدعم المالي واللوجستيكي الذي ما انفكت الدولة تقدمه للقطاع فإن الجماعات المحلية لم تتمكن حتى في نهاية سنة 2013من استرجاع قدرتها للسيطرة على الشأن المحلي وتدارك النقص الحاصل في مواردها .
ومهما يكن من امر فانّ موارد ميزانية الجماعات المحلية قد بقيت بالمقارنة مع عدة بلدان أخرى متواضعة جدا إذ لم يتجاوز منذ امد بعيد 4% من الحجم الجملي لموارد ميزانية الدولة و2%من الناتج المحلي الاجمالي .
وحيث أمكن اليوم بمضي ثلاث سنوات من قيام الثورة ،تخطي الوضعية العاجلة ، فانه يتحتم رسم خطة إصلاحية في المجال الجبائي والمالي على فترات متوسطة وطويلة المدى من خلال استراتيجية واضحة ذات ببعد اصلاحـي يعتمد النظر في ادخال التحويرات والتعديلات الازمة على المادة الجبائية الموجودة وتعزيز المسار من خلال إحداث موارد جبائية جديدة أو إحالة موارد جبائية موجودة لفائدة الجماعات المحلية او تدعيم قدرات التصرف للجماعات المحلية والقباضات المكلفة بالتصرف في مالية هذه الجماعات وبعد استشرافي يرتكز على المبادئ والتوجهات والمقتضيات الجديدة المضمنة بمشروع الدستور في ما يتعلق بالخصوص بمستويات اللامركزية (البلدية والجهة والإقليم) والصلاحيات الممكن تخويلها لكل منها ومتطلبات تمويلها.
اهداف وركائز تتمثل فيما يلي:
- مراجعة طرق تمويل الجماعات المحلية باعتماد مختلف الآليات الممكنة بين الإحالات المالية والاقتطاعات الجبائية والموارد الذاتية (البشرية والمالية) بهدف تعزيز اللامركزية وبالتالي الارتقاء التدريجي بحجم الموارد الجملية لميزانية البلديات إلى ما يجاور ضعف مستواه الحالي في نهاية الخماسية 2015- 2019 أي حوالـي 8 %بالمقارنة مع موارد ميزانية الدولة أو 4 % بالمقارنة مع الناتج المحلي الإجمالي .
- مقاربة تنبني علىتعديل قواعد توزيع الموارد بين الدولة والهياكل اللامركزية على أساس مبدأ التفريع في ضبط الصلاحيات العامة والخصوصية لكل مستوى من مستويات اللامركزية.
- وضع برنامج اصلاحي يهدف الى تطوير سبل تمويل مشاريع البنية التحتية ودفع الاستثمار وتحسين نسب انجاز الاعتمادات المبرمجة في إطار يكفل بالتوازي تحقيق النجاعة وتحديث التصرف الجهوي والمحلي.
ضوابط وشروط التصرف في الموارد وفق نظام الحوكمة:
- أصبح مفهوم الحوكمة الرشيدة اليوم كثيرالاستعمال وهو يعني مجموعة طرق التنسيق المعتمدة بكيفية محكمة بين مختلف المواضيع والوظائف والمصالح:
- أوّلا- داخل المؤسسات العامّة المنتمية خصوصا للأنظمة المتعددة المستويات بما يشمل مؤسسات الدولة والهياكل الجهوية والمحلية بمرجعيّة خصوصيّة تقـوم علـى قاعدة توزيع الصلاحيات بين مختلف هذه المؤسّسات,ووجوبية التعاون وإجراءات التنسيق وآليات التعويض او التعديل .
- ثانيا-خارج المؤسسات العامّة في علاقة تنبني حينئذ بين القطاعين العام والخاصّ بمرجعيّة خصوصيّة ترتكز على قاعدة التفريع حيث يمكن من زاوية ديناميكية تركيز نظام الحوكمة على اهمّ المقوّمات المتعلقة بالانفتاح بما يحيل إلى تفعيل وظيفة الإعلام ومساعدة المواطن على فهم مجريات التوجهات والخيارات والقرارات والإجراءات المتّخذة وإرساء عقد اجتماعي حقيقي بين الإدارة والمواطن يقوم على الثقة والشراكة بين الطرفين في الشأن الجهوي والمحليوضبط مهام كل الأطراف المتدخّلة على القدر العالي من المسؤولية مع تدعيم مبدا الفصل بين وظيفتي الرقابة والتسيير وكفاءة الجهاز الإداري واستقلالية المتصرف داخل الجماعة المحلية والنجاعة لضمان النتائج المؤمّلة ,والتكامل والترابط بين كافة المتدخلين في الحياة الجهوية والمحلية بغاية تحسين مستوى التنسيق المطلوب أفقيا وعموديا.
- وقد بيّنت التجارب المعاشة إلى حد الآن ببعض الدوّل المتقدّمة ضرورة صرف العناية لكلّ هذه النقاط من خلال تفادي النقائص والمعوّقات والتأخير في الانجاز بأيّ مستوى كان اتصاله بالتصوّرات أو بالمواصفات والمؤشرات أو بالتّطبيق .وانّ القول بالإدارة المفتوحة يحيل حتما إلى تصوّر و تركيز المعاملة بينها وبين المواطن على قاعدة الشفافية وسهولة الوصول إلى الخدمة أو المرفق العام.
- يبقى بلوغ هذه الأهداف في نظرنا مرتبطا بشرط أوّلي يتمثّل في توزيع الأدوار والمسؤوليات توزيعا يتعيّن أن يكون محكما بما يقتضي تفادي الازدواجية والتجزئة المتناهية ومترابطا مع الإمكانيات المالية والمادية واللوجستية الملائمة والواجب بالتوازي التنصيص عليها وضمان توفيرها للقيام بتلك الأدوار والمسؤوليات.
- ارساء منظومة اعلامية مندمجة للتصرف في التحاليل المالية الموارد المالية وتأدية النفقات علما وان لجنة اصلاح الجباية المحلية قد اقترحت في هذا الخصوص تعميم منظومة رفيق المعتمدة للتّصرّف في موارد الدّولة لتشمل الموارد الرّاجعة للجماعات المحلية .
- ادخال النظام المحاسبي ذي القيد المزدوج في التصرف المالي للجماعات المحلية.
- مزيد إحكام تقنيات إعداد ميزانيات الجماعات المحلية ومعاضدة سيرها باعتماد المستخرجات من التطبيقات الإعلامية الملائمة .
- دعم القباضات المكلفة بالتصرف في مالية الجماعات المحلية بالوسائل البشرية الكفيلة بتحسين الاستخلاص.
- الدعم التدريجي للموارد البشرية للجماعات المحلية مع إقرار خطة لتأهيلها والترفيع من مستوى التاطير والاختصاص لتلك
رشيد الطّوزي
هكذا قيّم مستعملون آخرون المقال