صادقت تونس منذ سنة 1969 على العد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ويحدد هذا العهد جملة المعايير التي لا بد من احترامها عندما يتعلق الأمر بممارسة هذه الحقوق. ولم تم التنصيص على هذه الحقوق في الدستور التونسي الحالي 27 جانفي 2014. وبمصادقتها على هذه الاتفاقية، يتوجب على الدولة التونسية أن تقدم محاضر حول التطورات الحاصلة في هذا الشأن، الأمر الذي قامت به تونس آخر مرة في سنة 1999. وتم عرض هذا السجل على اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التابعة لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الانسان.
ومنذ سنة 2015، بعيد الثورة وتغيير النظام السياسي، استأنفت الدولة التونسية المسار ونشرت تقريرا جديدا، وتمكن المجتمع المدني هذه المرة من النفاذ إليه وإبداء رأيه فيه. وفي هذا الإطار، قام فريق الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الانسان، بالتنسيق بين مجموعة تضم 15 جمعية من أجل النظر في التقرير وتفحص كل جزء فيه وإعداد قائمة من الأسئلة التي تتطلب التوضيح ليتم تقديمها للجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التابعة لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الانسان.
لقد آتى هذا التمشي أكله، خصوصا وأنه في مارس 2016، أخذت اللجنة بعين الاعتبار العديد من الأسئلة المقترحة وقدمتها للحكومة التونسية من أجل أن تقدم هذه الأخيرة جملة من التوضيحات. ومن جهتها، قامت الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الانسان وشركاؤها بإعداد تقرير بديل أقرب إلى أرض الواقع وأكثر عمقا مقارنة بالتقرير الحكومي المقدم. وبذلك، يعد إدماج المجتمع المدني التونسي في هذا المسار خطوة أولى من نوعها وتطورا مشهودا ومشجعا في المستقبل.
وفي إطار حرصها على أن يكون هذا التقرير البديل قد تم إعداده على أكمل وجه، قامت الشبكة بالشراكة مع مكتب تونس التابع للمفوضية السامية لحقوق الانسان، بتنظيم يوما تكوينيا حول المعايير الدولية المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وكان ذلك فرصة لسماع صوت مختلف الفاعلين. وتم في هذا اليوم تركيز أربع مجموعات عمل انشغلت كل منها بإحدى المواضيع التالية: “القضايا الاقتصادية”، “العمل، والحماية الاجتماعية، والنقابات العمالية”، “المساواة بين المرأة والرجل، والصحة”، “التعليم والثقافة”. وتم إثر ذلك التنسيق بين مساهمات المجموعات وملاءمتها فيها بينها، من قبل لجنة مراجعة تتكون من كل من الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الانسان، والجمعية التونسية للدفاع عن الحق في الصحة، وجمعية إيتوبيا UTOPIA تونس، والمرصد التونسي للاقتصاد.
عند تقديمه للجنة، لاقي هذا التقرير نجاحا باهرا من حيث الدقة. فقد وضع الاصبع على القضايا المتعلقة بالفوارق الجهوية، حقوق المرأة، والفساد الذي ما يزال متجذرا. ولقد تم تتويج هذا النجاح والانتصار بدعوة من قبل أعضاء اللجنة بتونس إلى مقر الأمم المتحدة بجينيف لعقد اجتماع أولي للنظر في الشأن التونسي وكان ذلك يوم 20 سبتمبر.
كانت النقاشات مثمرة، حيث اعتمدت اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التابعة لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الانسان، العمل المنجز من قبل المجتمع المدني، عند مساءلة أعضاء الوفد الوزاري وتوجيه ملاحظاتها وتوصياتها العامة المتعلقة بالتوجهات التي ينبغي أن تسلكها تونس في الدورة القادمة.
أظهرت هذه العملية في مجملها أن المجتمع المدني التونسي قادر على الحفاظ على يقظته تجاه التزامات الدولة وقد تمكن من العمل مع جميع الفاعلين وفي الميدان مع المؤسسات السياسية، سعيا نحو بلوغ الأفضل لتونس.
هذا المقال منشور بالجريدة المدنية
Organismes concernés
Voila ce que les autres utilisateurs ont pensé de cet article