لو تساءلنا كيف كانت تونس لتكون لولا المجتمع المدني؟ وكيف كانت لتكون لولا الجمعيات النشيطة التي أنشأت، تحت راية حماية حقوق الانسان، من أجل إنقاذ المستضعفين من الهلاك؟
لكانت الإجابة: طبعا لا وجود لوصف دقيق يمكن أن يعبر عن حالة بلادنا دون هذه الجمعيات التي هي مكسب تونسي ميّز بقوة نشاطه هذه البلاد، رغم ما نزال نرنو إليه في مجال النشاط الجمعياتي الذي أصبح اليوم قوة تغيير حقيقية وفاعلة، ساهمت في إنقاذ فئات مجتمعية ليست بقليلة، لكن منسية ومهمشة. النساء المشردات هي إحدى هذه الفئات المهمشة التي غابت عنها سياسات ناجعة ولم تجد مأوى أفضل من ذاك الذي تقدمه “بيتي” وهي إحدى الجمعيات التونسية التي احتضنت نساء دون مأوى وحمتهم من التشرد ومن البقاء في العراء.
بيتي هي جمعية عرفت منذ تأسيسها في 2011 بنضالاتها من أجل إعادة الكرامة للنساء ضحايا العنف والمشردات دون مأوى، وتغيير القوانين المتعلقة بالمرأة، وإدماج النساء المفقرات والمشردات في المجتمع على جميع المستويات.
اليوم، وبعد أربع سنوات من العمل الجاد والاعداد، أصبح مركز الايواء بيتي “سيدي علي عزوز” الذي تم تدشينه يوم 5أكتوبر الماضي، جاهزا لاستقبال وإيواء النساء اللائي وجدن أنفسهن مشردات لأي سبب من الأسباب. يتكفل المركز بهذه الفئة بصفة كلية دون إقصاء لأي صنف من النساء المهددات فيفتح بذلك أبوابه أمام النساء المهمشات اقتصاديا، والنساء ضحايا العنف، والطالبات التي لم تتمكن من إيجاد مأوى، والنساء اللاجئات، والنساء العازبات، وغيرها من النساء المهددات. ويمكن أن يستقبل هذا المركز ثلاثين امرأة مع أطفالهم إن لزم الأمر. هذا ويتم دراسة الحالات حالة بحالة. ويذكر أن هذا المركز ليس الأول في تاريخ الجمعية، حيث سبق أن كان لها مركز يستقبل النساء في وضعيات هشة، بصفة وقتية، وتم توفير المتابعة والمرافقة إلى أن أصبحن قادرات على الأخذ بزمام الأمور بأنفسهن، كما تم أيضا إعدادهن لإنجاز مشاريع خاصة بهن يساعدنهن على تمكينهن اجتماعيا واقتصاديا إلى أن أصبحن مستقلات ومستقرات. بالنسبة لمركز سيدي علي عزوز، يمكن أن تبلغ إقامة النساء في المركز حوالي السنة، ويتم خلالها تقديم الإحاطة النفسية والإرشادية، والعناية الخاصة بالأطفال، كما يتم التدريب في ورشات على بعض الحرف والصناعات اليدوية وصنع الحلويات والطبخ وغيرها من الأنشطة لفائدة النساء والأطفال على نحو سواء. ويسعى فريق المركز وكامل الإطار المشرف عليه إلى تحسين وضعية النساء اللاتي يلجأن للمركز وتدعيمهن من أجل الحد من هشاشة وضعهن الاقتصادي والاجتماعي ولإعادة إدماجهن في المجتمع. وتجدر الإشارة إلى أن المركز، قد شرع في استقبال بعض الحالات من النساء المصحوبات بأطفالهن.
بيتي إذا، هي تلك الجمعية ذات الخمس سنوات، والتي حملت المرأة قضية، فاستغلت كل فرصة لتقديم الدعم للمستضعفات والمحتاجات والدفاع المستميت عن حقوقهن. فتنوعت مجالات عملها، وان كان توجهها الأساسي هو المرأة. البحوث، والتوعية والتربية على المواطنة، وحقوق الانسان، والقروض الصغرى والنهوض بالتشغيل، والصحة الإنجابية، والتغذية، والتربية، والتكوين، والعمل التضامني الخيري، والمعوقين، والطفل، والعائلة، والمسنون، والثقافة، والترفيه، والتكنولوجيا الحديثة، والنشاط الالكتروني، هي كلها مجالات تتدخل فيها جمعية بيتي التي جمعت في نشاطها ونضالها المواكب لاحتياجات العصر بين العمل الخيري والعمل الحقوقي. حيث تناولت بالدرس الجانب التشريع المتعلقة بالمرأة فنادت بتشريعات عادلة ضد العنف المسلط على المرأة وأخرى لفائدة النساء المغتصبات، كما لم تتهاون الجمعية في التنديد بالتجاوزات التي تمس من حقوق المرأة، والتي نذكر منها الحملة التحسيسية للحد من العنف ضد المرأة. وخلالها، وبطريقة إبداعية فنية تهكمية ساخرة، تم انتقاد الطرح الإعلامي لقضية العنف المسلط على النساء. وتم تصوير “سكاتش” مقتبس عن فكرة برنامج اجتماعي “شو” يقوم على شخصيات “المنشط عجيب”، و”الزوجة صبيحة”، و”زوجها”. ويتميز نص حوار السكاتش بأسلوب نقدي ساخر من موقف التهميش والاستخفاف الذي تلاقيه قضية العنف ضد المرأة من قبل المجتمع، وفيه دعوة صريحة للمرأة لتجاوز الحاجز المجتمعي للدفاع وحماية نفسها من كل أشكال العنف المسلط عليها.
إن هذه الأمثلة عن أنشطة جمعية بيتي، إنما هي عينة صغيرة عن مجالات نضالها التي يصعب حصرها، فالجمعية تهتم عموما بفئة المفقرات والمشردات من النساء، وتقوم دائما بدراسات سوسيولوجية ميدانية في هذا الصدد، وهي ملجأ لها. وتتعاون الجمعية مع جمعيات نسائية وحقوقية وطنية ودولية، تشاركها الرؤية والأهداف.
كما إن هذا الأمثلة عن أنشطة جمعية بيتي، إنما هي عينة أيضا عن نضالات ومساهمات المشهد الجمعياتي من أجل النهوض بفئات مستضعفة وهشة اقتصاديا واجتماعيا، فأصبحت هذه الجمعيات ملاذ وحصن هذه الفئات التي لم تجد منفذا غير الجمعيات.
هذا المقال منشور بالجريدة المدنية
الجهات المعنيّة
هكذا قيّم مستعملون آخرون المقال