في كلّ سنة ، يلتقي كبار الساسة و قادة الاعلام و صنّاع الر أي الرسمي و الأفواج الدولية للمفاوضين، وممثلي الشركات متعددة الجنسيات و مستشارو أعتى المنظمات في العالم ليتباحثوا شأن التهديدات المناخية التي تنذر بخطر عظيم يحدق بكوكب الأرض و يجعل نظام توازنها يختل كلّ عام أكثرفأكثر .يلتقون في اطار القمة العالمية للمناخ او ما يسمى قمّة الأطراف COP التي تنعقد هذه السنة في المغرب. و ككلّ سنة و رغم كلّ التهديدات المتزايدة تواصل الحكومات نفس السياسات الايكولوجية و تسمح بانبعاث اكثر ما يمكن من غاز الكربون و الغازات المسببة للانحباس الحراري و تواصل الشركات العملاقة التخفي وراء الاوهام التي تتعهد بها محققة في الوقت نفسه أرباحا قياسية من خلال استغلال الموارد الطبيعية و التنقيب و التعدين و التكرير …
ربما أو بالاحرى من غير العدل الحديث عن التزامات دولية بالتخفيض من انبعاثات الغازات و تلويث البيئة في عالم تحكمه اللاعدالة و يحكمه منطق الشمال المصنّع و الجنوب الذي مثّل دائما مخزنا للموارد من ناحية و مقبرة لنفايات الشمال من ناحية أخرى: فالقارة الافريقية التي تعاني من الجفاف و انخفاض حادّ في الموارد المائية و التصحّر و انخفاض معدلات خصوبة الاراضي و الاحتقان الحراري الشديد و من المتوقع ان تكون من اكبر المتضررين بيئيا في السنوات القادمة في حين انها لا تساهم الا ب 3 بالمائة من الانبعاثات الغازية في العالم فعن أية عدالة مناخية تتحدث هذه القمم التي تنعقد مناسباتيا كلّ سنة و تصاحبها جعجعة لا نرى لها طحينا أبدا .
في هذا الإطارو انطلاقا من وعي المارقين عن النظم الرسمية في كل انحاء العالم و ايمانا منهم أن المؤتمر الثاني والعشرين للأطراف الذي ينعقد في المغرب (7-18نوفمبر) 2016 لن يختلف عن غيره جاءت فكرة تكوين ملحمة البدائل ‘الاوديسة ‘ التي جابت البحر الابيض المتوسط منطلقة من اسبانيا مرورا بفرنسا و ايطاليا ثمّ تونس و الجزائر و المغرب في نهاية المطاف . هذه الملحمة التي انطلقت بامكانيات متواضعة شهدت احتضانا كبيرا من المناضلين الحقيقين للبيئة و حركات الاحتجاج التي تعي جيّدا أن العلاقات الدولية المحكومة بمنطق السوق لا يمكن ابدا ان تراعي الجانب البيئي متى تعلق الأمر باستنزاف الثروات الباطنية و استخراج كلّ الموارد الطبيعية مقابل مليارات الدولارات .
و في سياق الحديث عن تونس هذا البلد الذي لا تتجاوز مساهمتة 0.07 بالمائة من انبعاثات الغازات الحرارية في العالم كان لملحمة البدائل ابن بطوطة وقفة هناك حيث رست المراكب في ميناء بنزرت و اتجه الفريق الاجنبي و التونسي للمدينة قابس التي تم اختيارها لاحتضان فعاليات الاوديسة انطلاقا من يوم الخميس 27 إلى الاحد 30 أكتوبر باعتبارها أحد أكثر المدن تضرّرا من الأنشطة الصناعية على المستوى البيئيّ.. قابس التي استقبلت الزائرين بجمال حزين لم نكن قادرين على فهمه الا عندما امعنا التأمل و التجوال فيها . هذه الزيارة كانت مناسبة للاحتكاك بالجمعيات المدافعة عن البيئة هناك و التي تعتبر STOP POLLUTION ابرزها و فرصة لاقامة ايام تحسيسية تلفت النظر للوضع الكارثي في قابس .
اليوم الأول للفعاليات كان عبارة عن حلقات نقاش حول المواضيع البيئية الحارقة في تونس من خلال ورشات تفكيرية تناولت التحديات البيئية الراهنة و قضايا الماء و التلوث و النفايات و الطاقة و الفلاحة و الفسفاط …اما اليوم الثاني فخصص في الصباح لمداخلة جمعية واحات جمنة و جمعية برباشة و لكتابة اتفاقية تلزم مختلف مكونات المجتمع المدني في تونس و و بقية البلدان المشاركة في الملحمة و انبنت أغلب الآراء على ضرورة التوجه برسائل قوية للسلطة التونسية من جهة و للدول المشاركة في القمة المناخية من جهة ثانية. و خصص الجزء الثاني من اليوم لزيارة معاينة لشط السلام بقابس . أثثالزيارة الى شطّ السلام حيث يقبع المجمع الكيميائي التونسي على بعد 800 متر فقط عن المنطقة السكانية المأهولة كانت صدمة بأتم معنى الكلمة للحاضرين سواء من الوفد الأوروبي أو للتونسيين الذين ذهبوا الى هناك لأول مرّة. وربما لا يستطيع من يصف المكان أن يكون موضوعيا أبدا فما يشاهده هناك يرسم في الذاكرة خدشا لا يمحى عن مدى اجرام المؤسسات الصناعية في حقّ الأرض و البحر و الهواء و الحيوان و الانسان …جريمة في حقّ الأرض التي يكسوها الحصى الاخضر للمواد الكيميائية و في حقّ البحر لأن نهرا أسودا من المياه الملوثة تجري من مخرج الشركة و تصب مباشرة في الشاطئ غير عابئة بحيواناته و نباتاته و جريمة في حق المواطنين لأننا شاهدنا بأم أعيننا عمودا من الدخان الأصفر السّام يرتفع في السماء و ينتشر في الجو. هذا الدخان و هذه الغازات التي قتلت عون الصيانة بالشركة التونسية للكهرباء والغاز بقابس عبد القادر الزيدي، مساء يوم الأربعاء 26 أكتوبر الجاري إثر تعرّضه للتسمم والاختناق بسبب انبعاث غازات صناعية سامّة.
ختاما يمكن القول أن الفريق الذي اتجه على ظهر المراكب الى المغرب واصل طريقه في اتجاه وهران كمحطة جزائرية ثمّ طنجة في المغرب محملا برسائل قوية يحاول الدفاع عنها هناك خاصّة في ظلّ ما تابعناه من مقاطعتهم لهذه القمّة نظرا لمشاركة الكيان الصهيوني في فعالياتها و بأنهم يقودون هناك حملة كبيرة و العائدون الى بقية الولايات في تونس عادوا محملين بفكرة قائمة على أن مجمل الإشكاليات البيئية والإيكولوجية في تونس، هي نتاج مباشر للسياسات العمومية المعتمدة تتجلى تداعياتها بكل وضوح في عدة مناطق (مثل الحوض المنجمي، قابس، قرقنة…). وبناء عليه، أية تصورات بديلة للإشكاليات البيئية تمر رأسا عبر مراجعة الخيارات الحكومية في افق تصور منوال تنموي يكرس أبعاد العدالة الإجتماعية والبيئية.
(كتب هذا المقال في إطار التعاون مع الملحق المدني لجريدة الشعب)
هكذا قيّم مستعملون آخرون المقال