انطلقت يوم السبت 8 أكتوبر 2016 على الساعة الثامنة صباحا من تونس العاصمة بالتنسيق مع جمعية حماية واحات جمنة قافلة تضامنية لمساندة الاهالي في جمنة من اجل استرجاع هنشير ستيل و نظم هذا الحدث ما سمّي بلجنة المساندة التي ضمت مجموعة من الشباب المتطوعين ممّن عرفتهم ساحات النضال و عرفوها منذ سنين . هذا وقد شارك في قافلة الكرامة ما يقارب المائة شخص ممّن توزّعوا على حافلتين و التحق الكثيرون على متن سيارات خاصّة كما لبّى آخرون النداء و هبّوا من كافة انحاء الجمهورية لحضور البتّة السنوية . الحاضرون كانوا فسيفساء متنوعة من مختلف المشارب الفكرية : حقوقيون ورجال سياسة وأعضاء من مجلس النواب، فنانون وإعلاميون ونشطاء و أساتذة . كما كان للمجتمع المدني و الحركات الشبابية دور مهم من خلال الحضور و المداخلات و تشبيك العلاقات مع المكونات الشعبية في جمنة .
الوصول الى جمنة التي تبعد عن قبلي 16 كلم و دوز 12 كلم تحديدا لهنشير ستيل كان في حدود الساعة الثالثة و النصف اين توجه الجمهور مباشرة الى قلب الواحة حيث كان الاستقبال ملحميّا حارّا و انطلقت الحناجر تهتف بالنشيد الوطني و بشعارات ثورية من قبيل ‘أرض حرية كرامة وطنية / لا خوف لا رعب الأرض ملك الشعب /لا تنازل عالقضية أرض ستيل أرض جمنية …
مباشرة بعد الترحاب بالوافدين انطلق العرض الغنائي الذي أحيته فرقة البحث الموسيقي في حدود الرابعة بعد الزوال و الذي يتنزل ضمن الايام التنظيمية بجمنة وتشرف عليها جمعية حماية واحات جمنة تحت شعار ‘سيب المعمر سيب جمنة’ و الممتد على ثلاثة ايام7-8-9 اكتوبر .
مبيت الوافدين كان في احدى النزل بمدينة دوز اين تواصلت خلال السهرة هناك نقاشات الحضور حول الوضع العام في البلاد و قضية الأراضي الدولية بصفة عامة و امكانية استثمار تجربة الاقتصاد التضامني و التشاركي ليصبح منوالا تنمويا يقطع مع رأسمالية الدولة و يؤسس لمطالب الثورة التي رفعت ذات 17 ديسمبر.
يوم الأحد صباحا في حدود الساعة التاسعة عاد الكلّ الى هنشير ستيل اين انتظمت’ بتّة شعبية ‘ و هي عبارة عن مزاد علني يتنافس فيه التجار على كراء محصول النخيل و آلت الغلبة في النهاية الى تاجر من ابناء المنطقة بمقدار مليار و 700 مليون من المليمات تحصل عليها جمعية حماية واحات جمنة و تقوم بصرفها في مشاريع تنموية بالجهة في ما بعد في حين كانت الأرباح قبل تولي الاهالي الاشراف على الواحة بانفسهم 16 الف دينارفقط
فور انتهاء البتة التي أسقطت القرار القضائي السياسي و الذي تسبب في تعطيل انجاز البتة بشهر و نصف رفعت شعارات حماسية ثورية عديدة اجمع فيها الكل على ان الأرض ملك الجمنيين و انّ الجميع مستعد للمقاومة في حال تدخل الأمن و أن جمنة ستبقى دائما و ابدا تاريخ كفاح مستمر .
تفاصيل قضية هنشير ستيل
– عند دخول المستعمر الفرنسي افتك الارض من اصحابها ووضع المعارضين في السجون و انجز ضيعة فلاحية كبرى في عشرينات القرن الماضي سمّاها ‘سكاست’ الشركة التجارية و الفلاحية بالجنوب التونسي
-في سنة 1964 مع الجلاء الزراعي استرد الاهالي الارض و دفعوا مقابل مادي قيمته 40 مليون (نصف الثمن المتفق عليه) لشراء الضيعة لكنهم فوجؤوا في سنوات السبعين بانقلاب الدولة على الاتفاقية اذ فرطت في الضيعة لشركة ستيل دون موافقة اغلب اعضاء مجلس التصرف في جمنة (7 موافقين و 9 رافضين) و أرجعت لهم الأربعين ألف دينار دون فائض تعويضي.
-سنة 2002 انسحبت شركة ستيل من ‘الهنشير ‘ و تمّ تسويغ الارض بكل سرية اذ حرصت الدولة على ان لا يعلم المتساكنون بتفاصيل العملية و الحال ان عملية التسويغ اتضح فينا بعد ان الفساد يغلفها اذ تم تأجير الهكتار الواحد من الأرض ب 80د سنويا على اساس انها ارض بيضاء غير مغروسة و الحال ان الهكتار يضم مائة نخلة و النخلة الواحدة تنتج سنويا كمية من التمور بمقدار 100د اي ان الهكتار ينتج ما قيمته 10 ملايين. و يسوّغ ب 80 دينار.
-مع اندلاع الحراك الثوري في تونس استرد الشباب الجمني الواحة التي تضم 10 الاف نخلة منتجة لنوع دقلة النور يوم 12 جانفي 2011 و منذ ذلك التاريخ منعوا المتسوغ من العودة و لكن هذا الأخير استعان بالجيش في 27 فيفري 2011 لارهاب المواطنين الذين خرجوا رجالا و نساء و اعتصموا داخل الضيعة 99 يوما حتى تمكنوا في النهاية من فرض سيطرتهم عليها.
-بعد استرجاع الهنشير قرر الاهالي الحفاظ على الارض موحدة و عدم تفتيتها الى ملكيات خاصة و تسييرها جماعيا و قاموا بجمع تبرعات وصلت الى 34 مليون (30د/ المواطن) و شرعوا في تطوير واحة التمور .
لمحة عن جمعية حماية واحات جمنة
بعد عملية الاسترجاع الجماعية للأرض نشأت بعد ضرورة بعث هيئة جماعية للتسيير فكانت ‘جمعية حماية واحات جمنة’ و تمّ اختيار 6 اعضاء مسيرين يعملون مجانا في اجتماع شعبي عام و ترسيمها بالرائد الرسمي في 20 مارس 2012. تشرف هذه الجمعية سنويا على البتة الشعبية التي يباع فيها محصول التمور ثم تعقد اجتماعا بالأهالي و تستشيرعم في كيفية صرف العائدات المالية في مشاريع تنمية تستفيد منها الجهة.من انجازات الجمعية الأهم نذكر :
في الضيعة: تم شراء مجموعة من التجهيزات و وسائل العمل المتطورة و جرار و مضخة و الات مختلفة- اصلاح و صيانة الآبار-غراسة 2000 نخلة فتية-ترميم بناية ادارية في الضيعة- حفر بئر جديدة.
اعانة للجمعيات الأخرى: اعانات لجمعية تورس الثقافية و جمعية الطفل المتوحد و جمعية نخلة و جمعية مرضى السرطان و فرع الرابطو التونسية للدفاع عن حقوق الانسان و فرقة مسرح المدينة و هيئة المهرجان و الجمعيات الرياضية بالجهة و جمعيات اخرى خارج جهة جمنة تماما متواجدة في قبلي و دوز و سوق الاحد .
في الجهة ككلّ :ملعب –قاعة رياضة مغطاة- بناء سوق فلاحي عصري – اقتناء سيارة اسعاف و تجهيزات للمستوصف تتمثل في حواسيب و مكيفات- صيانة احدى المدارس و بناء جناح اضافي بمدرسة اخرى- صيانة المقبرة – اعانات مادية لمدرسة القاصرين ذهنيا و للمدرسة القرانية و للمساجد و لجمعية ايثار التي تعطي منحا شهرية ل 15 طالبا – اعانة النياابة الخصوصية في مد و تهيئة و اصلاح الطرقات.
ختاما يمكن القول اليوم أن التحدّي يكمن في انتصار احدى الخيارين : تجربة شعبية جمعياتية ثائرة تجاوزت التنظيرات المتهالكة و أرست لتجربة اقتصادية تضامنية تشاركية على أرض الواقع مباشرة تقودها جمعية تمثل المجتمع المدني الفعال كأسمى ما يكون و تبرهن على ان خلق البدائل أمر بسيط يتطلب التسيير المحكم فقط او موقف رسمي حكومي يتعنت في الدفاع عن منوال تنموي قديم يتسم بسوء التصرف
هكذا قيّم مستعملون آخرون المقال