سجّل المجتمع المدني قبل أيّام أحد انتصاراته الكبرى منذ 14 جانفي 2011. فبفضل مساعي عدد من الجمعيات والمنظّمات، صادق مجلس نوّاب الشّعب في 9 مارس الجاري على القانون الأساسي المتعلّق بالنّفاذ إلى المعلومة بعد إدخال تعديلات عليه أكثر ملاءمة للدستور واستجابة لتطلّعات التونسيين من صحفيّين ونشطاء مجتمع مدني وعامّة المواطنين.
وكان مشروع القانون المذكور، والّذي بقي قرابة العام قيد المصادقة في المجلس، قد أثار جدلا واسعا واعتراضا شديدا بسبب جملة الاستثناءات الواردة فيه والتّي من شأنها التضييق على حرية الإعلام من جهة وعلى الحق في النّفاذ إلى المعلومة لدى عامّة طالبيها من جهة أخرى.
حيث أنّ الفصل 24 من المشروع ينصّ على أنّ للهيكل المعنيّ أن يرفض السّماح بالنّفاذ إلى المعلومة في مجالات عدّة، لعلّ أبرزها “العلاقات الدولية والمصالح الاقتصادية للدّولة والمصالح التجارية المشروعة للهياكل الخاضعة لأحكام هذا القانون بما في ذلك حقوق الملكية الفكرية والصناعية، المداولات وتبادل الآراء ووجهات النّظر والاستشارات”… إلخ.
وكما أشرنا، فإنّ هذه الصياغة التي تأخذ باليد اليمنى ما قدّمه الدّستور من حريات باليد اليسرى، قد أثارت موجة احتجاج لدى منظمات المجتمع المدني على اختلاف مشاربها. حيث اعتبرت الجمعية التونسية للصحافيين البرلمانيين أنّ مشروع القانون في صيغته الأولى “مغرق بالاستثناءات ويساهم في تقينن التعتيم على المعلومة وغلق المنافذ أمام بلوغ الحقائق.” ودعت “أنا يقظ” كافّة المواطنين إلى التّصويت ضدّ الفصل المثير للجدل على موقع خاصّ أنشأته المنظّمة في محاولة لتشريك المواطن في أخذ القرار ورسم السياسات. (http://www.vot-it.org/)
وأصدرت كلّ من الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بيانا استنكرت فيه “إصرار الحكومة على تمرير قانون يتعارض مع حق النفاذ إلى المعلومة وسعيها لضرب حرية الصحافة وحق الجمعيات والمواطنين في الاطّلاع على المعلومات وملفّات الفساد.”
كما انتظمت ندوة صحفية مشتركة بين منظّمتي “بوصلة” و”أنا يقظ” من جهة والنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين من جهة أخرى للمطالبة بتغيير الفصل 24 من مشروع القانون لتعارضه مع الدستور ونسفه لحق النّفاذ إلى المعلومة.
خاض المجتمع المدني إذن هذه المعركة على الميدان وفي الفضاءات الافتراضية، إيمانا منه بوجوب افتكاك الحق في النفاذ إلى المعلومة كما يضمنه دستور 2014، وفي تركيز منظومة الشفافية والمحاسبة ومحاربة الفساد. وتكليلا لمساعيه وحملات المناصرة التي خاضها، تمكّنت لجنة التوافقات بمجلس النواب نهاية الأسبوع الماضي من وضع صياغة جديدة وتوافقية للفصل 24 يحدّ من الاستثناءات المذكورة فيه.
وجاء الفصل المذكور في صيغته التوافقية كما يلي :” لا يمكن للهيكل المعنيّ أن يرفض طلب النّفاذ إلى المعلومة إلاّ إذا كان ذلك يؤدّي إلى إلحاق ضرر بالأمن العامّ أو بالدّفاع الوطني أو بالعلاقات الدولية المتّصلة بهما أو بحقوق الغير في حاية حياته الخاصة ومعطياته الشخصية وملكيته الفكرية، ولا تعتبر هذه المجالات استثناءات مطلقة لحق النفاذ إلى المعلومة وتكون خاضعة لتقدير الضّرر من النفاذ على أن يكون الضرر جسيما سواء كان آنيّا أو لاحقا. كما تكون خاضعة لتقدير المصلحة العامّة من تقديم المعلومة أو من عدم تقديمها بالنّسبة لكلّ طالب. ويراعى التناسب بين المصالح المراد حمايتها والغاية من مطلب النّفاذ. وفي صورة الرفش يتمّ إعلام طالب النفاذ بذلك بجواب معلّل، وينتهي مفعول الرّفض بزوال أسبابه المبيّنة في الجواب على مطلب النّفاذ.”
صيغة حظيت بمباركة فعاليات المجتمع المدني وانتهت بمصادقة المجلس على مشروع القانون برمّته.
حيث أصدرت “منظّمة المادّة 19 ” بيانا أعربت فيه عن تثمينها لهذا “المكسب الهامّ للتونسيين”، مضيفة أنّه “بمصادقتها على القانون الأساسي الجديد ستكون تونس في صدارة البلدان العربية في ضمانها” لحقّ النّفاذ إلى المعلومة. كما اعتبرت منظمة “بوصلة” أنّ مجلس نوّاب الشعب بمصادقته على أوّل مشروع قانون يكرّس الحقّ الدستوري المضمّن في الفصل 32 ، قد فرض احترام الدستور، ممّا من شأنه أن يمثّل ركيزة أساسية لتكريس الشفافية ومكافحة الفساد، وفق ما جاء في بيان نشرته المنظّمة على صفحتها الرسمية على موقع فايسبوك.
القانون عدد 55 لسنة 2014، مرّرته رئاسة الحكومة إلى مجلس النوّاب في 15 أوت 2014 ويتضمّن 62 فصلا أشهرها الفصل 32 الّذي خاض المجتمع المدني إحدى معاركه الكبرى من أجل تعديله. ولئن كانت المصادقة على هذا القانون الأساسي المتعلّق بحق النّفاذ إلى المعلومة، مكسبا هامّا في حدّ ذاته فإنّه لا يجب على التونسيين أن تنسيهم نشوة الانتصار ضرورة اتّخاذ السلطات جميع التدابير اللاّزمة لحسن تطبيقه.
هكذا قيّم مستعملون آخرون المقال